يوسف المحيميد
مما لم يعد سراً، ما تمارسه كثير من الجهات الحكومية من تصرفات غير مسؤولة أبداً، قبيل نهاية السنة المالية، حينما تتبقى بعض المبالغ في بنود الميزانية الخاصة بهذه الجهة أو تلك، إذ تبدأ الجهات بصرف جميع المبالغ والمخصصات في مختلف البنود، حتى تنتهي السنة المالية، برصيد يعادل صفراً لمعظم الجهات في حساباتها لدى وزارة المالية، وكأنما هناك جائزة يتم منحها للجهة التي تصرف جميع مخصصاتها السنوية!
ولعل الحقيقة المرَّة، وكما يعرف ويردد الجميع، أن وزارة المالية عند وضع الميزانيات للجهات الحكومية في السنة الجديدة، تعود إلى مصروفات هذه الجهات في السنة الماضية، وتحدد مخصصاتها تبعاً لمصروفات العام الماضي، بمعنى لو وفرت إحدى الجهات عشرين مليوناً في أحد البنود، فإن المالية تخفض مخصصات هذا البند بمقدار العشرين مليوناً، بحجة أن هذه الجهة لا تحتاج إلى هذا المبلغ، وإلا كانت صرفته خلال العام الماضي، وهذا ما يبرر اللهاث آخر السنة، لصرف جميع المخصصات حتى آخر ريال!
وفيما لو حاولت الجهة استعادة هذا المبلغ في السنة التالية ضمن مصروفات متوقعة، فهي تحتاج إلى جهد كبير، ونقاشات مستفيضة، ومبررات لا تنتهي، كي تقنع وزارة المالية بوجاهة الأسباب لهذه المبالغ، وليت الأمر يتوقف عند ذلك، وإنما اعتادت الجهات الحكومية أن ترفع مطالباتها عما تحتاج إليه فعلا، استباقاً للخفض المتوقع لهذه المطالبات، فحين تحتاج خمسة ملايين للصرف على مهمة ما، تضطر إلى رفع المبلغ إلى عشرة مثلاً، كي تحصل على نصفه، وهو ما تحتاجه بالفعل، لكنها تضطر إلى استخدام التحايل أحياناً!
هذه الذهنية الغريبة في الصرف المالي، لا تتوقف على علاقة الجهات الحكومية بوزارة المالية فحسب، بل تمتد حتى على مستوى الجهة الحكومية نفسها، فحين تحتاج إحدى الإدارات العامة في الجهة إلى خمسة أجهزة كمبيوتر مثلا، ترفع للإدارة المالية في الجهة طلباً بثمانية أجهزة أو عشرة، حيث من المتوقع أن يقوم مدير الإدارة المالية في هذه الجهة بتقليص العدد إلى خمسة أو أقل، وكأن هذا السلوك المالي أصبح شائعاً ومشروعاً، برغم ما يحيط به من كذب وتحايل، وعدم وضوح في التعامل المالي!
وهنا أتساءل، لماذا لا تتعامل الجهات الحكومية مع المالية بوضوح وصدق وأمانة، وتتعامل المالية مع الجهات بثقة، ولماذا لا يتعامل مدراء الشؤون المالية في الجهات بثقة مع مدراء العموم بجهاتهم، وهؤلاء بدورهم يتعاملون بمسؤولية وأمانة، لماذا لا يتغير سلوك الصرف المالي لدينا، وتصبح ذهنية هذا الصرف أكثر وعياً ومسؤولية وأمانة، بما يخدم هذا الوطن على المدى الطويل!