يوسف المحيميد
منذ سنوات والمواطن ينتظر حل أزمة الإسكان، قوائم المنتظرين تطول، والوزارة التي خصصت لمعالجة مشكلة الإسكان تدور في حلقة مفرغة، كانت تعاني من الميزانية، فمنحت نحو 250 ملياراً، ثم اشتكت من شُح الأراضي، وقامت الحكومة بتحويل جميع الأراضي التي تملكها البلديات، إلى الوزارة، ولكن دون فائدة تذكر، ظل المواطن (الغلبان) يفتح حسابه الخاص في الوزارة، ويحسب نقاطه حسب حالته الاجتماعية، عمره، وعدد أولاده، وغير ذلك. ورغم النقاط الوافرة، والتواريخ المتوقعة لاستلام مسكنه، إلاّ أنّ السنوات تمر، والوزارة تتخبط، والمواطن لا يختلف عن حنظلة ناجي العلي، الذي يعطينا ظهره دائماً، مشابكاً يديه علامة الحيرة!
نعم أنا كمواطن أشعر بالحيرة، كيف لم نستطع حل مشكلة الإسكان، رغم مساحاتنا الشاسعة من الصحراء المترامية، ورغم ميزانياتنا الهائلة، فما الذي يجعل الموضوع معقداً إلى هذا الحد، الذي يوجد معه فكرة القرض المعجل، بافتراض الدخل العالي للمواطن، دون مراعاة ذوي الدخول المنخفضة، وهم الأغلبية، ودون مراعاة المتقاعدين أيضاً، ممن عملوا ثلاثين أو حتى أربعين عاماً، دون أن يتمكنوا من الظفر بسقف منخفض يحمي أطفالهم، من جحيم الشموس والإيجارات!
حينما يعترف الجميع بأنّ موازنة تكاليف السكن لدينا باتت مقلوبة، بحيث تمثل قيمة الأرض ثلثي العقار، بينما البناء هو الثلث، خلافاً للسائد في دول العالم، برغم مساحات الصحراء المنبسطة، وبرغم القدرة على تطوير هذه المساحات، فإنّ ثمة خللاً حقيقياً في الأمر، قد يكون فرض الرسوم على الأراضي البيضاء حلاً مسانداً، لكنه ليس الحل النهائي، إذ سيكون أمام ملاّك الأراضي الخام إما بيعها، واستمرار تداولها بينهم تهرباً من الرسوم، أو تطويرها وهو ما تنشده الدولة، لزيادة العرض من الأراضي مقابل الطلب، لكن هؤلاء الملاّك الذين يهدرون - في نظرهم - نحو 40% من مساحة هذه الأرض كخدمات تفرضها الدولة، من شوارع وحدائق ومساجد ومدارس ومستوصفات وغيرها، والقيام بسفلتة الشوارع وإنارتها، تجعلهم يحولون هذه الفواتير على ظهر المواطن المحتاج لقطعة أرض صغيرة، فتعود الأسعار العالية حتى لو ازداد العرض، لأن هؤلاء العقاريين ليسوا بحاجة إلى البيع السريع، خاصة أن ثمة طرقاً كثيرة للتحايل على هذه الرسوم التي قد يتم فرضها قريباً، أو ربما يتم رفضها من قبل مجلس الشورى!
على المخططين لهذه البلاد، إدراك أنّ جميع الخطط والأفكار التي تحاول زيادة معدل العرض على الطلب بالنسبة للمساكن، تهم طبقة الموظفين الشباب فقط، ذوي الدخول الجيدة، فهم وحدهم من يستطيع الحصول على قرض بنكي لشراء مسكن، أما قدامى الموظفين، أو من لا توجد لديهم أصلاً وظائف، فهم خارج نطاق هذه المعادلات كلها، ولكي ننصف المواطنين من الطبقات الفقيرة، التي لا يمكن أن تمتلك مسكناً ولا بعد مئات السنوات، من العاطلين والأرامل والمطلقات واليتامى، لابد أن تتبنى الدولة فكرة بناء ضواحٍ خاصة بهم في مختلف المدن، وذلك بعد حصرهم من قِبل الشؤون الاجتماعية، وإنجاز آلاف الوحدات خلال ثلاث سنوات، قرب المدن الكبرى، وإيجاد وسائل النقل العام لهم، للانتقال إلى داخل المدينة.. أما ما عدا ذلك من حلول فهو هدر للسنوات، والمزيد من تراكم قوائم المحتاجين والمستحقين!