د.علي القرني
التدخل الروسي في سوريا عسكريا يشكل تحولا نوعيا في الحالة السورية، وسينقلها إلى مرحلة جديدة من صراع القوى العسكرية على الأراضي السورية. كما يعكس هذا التدخل الروسي مرحلة خطيرة في السياسة الروسية في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما يقف التحالف الدولي موقف الاستغراب والدهشة من التدخل الروسي، إلا أنه اتخذ موقف الشجب والاستنكار ودور المتفرج إلى الآن.
روسيا كسياسية خارجية تتخذ سياسة الصقور، ولديها تطلعات لأن تستعيد دورها العالمي إبان فترة الإتحاد السوفيتي الذي تفكك وورثت قوته العسكرية واحتلت دوره الجيوسياسي، كما ورثت عقلية الرئيس بوتن الذي تتلمذ على سياسة الكرملن السوفيتية التي تريد أن يكون لها هيمنة وسيطرة على كثير من مناطق العالم. بوتن أعلنها منذ سنوات أنه سيقف موقف الند للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب في السياسة الدولية. ولم تعد السياسة الدولية حكرا على الغرب، فروسيا تريد أن يكون لها التأثير والنفوذ في مناطق العالم الإستراتيجية ومنها منطقة الشرق الأوسط.
ويجب أن ندرك أن تدخل روسيا جاء نتيجة وصول نظام الأسد إلى مرحلة خطيرة في بقائه، وخلال الأشهر الماضية استطاعت القوى المقاتلة للنظام أن تتقدم وتحكم الخناق على النظام، وبلا شك فإن تدخل روسيا جاء لإنقاذ النظام الذي أوشك على السقوط، واستنجاد النظام بالمقاتلات الروسية والمستشارين العسكريين جاء على رمق أخير في معركة النظام مع المعارضة. وجاء هذا التدخل في توقيت حاسم جدا فإما هكذا تدخل أو سقوط حتمي لنظام بشار الأسد.
وقد أعدت روسيا لمعركتها العسكرية داخل سوريا إعدادا كبيرا بخدمة استخباراتها على الأرض وبحكم تسليم النظام لكل المعلومات والتطلعات التي ينشدها في معاركه على أرض المعركة، ولهذا فدخول روسيا على خط المعركة من شأنه أن يعيد الحسابات العسكرية في ميادين المواجهة التي امتدت لحوالي خمس سنوات دون إحراز طرف نصر مبين على الطرف الآخر.
ولا شك أن التدخل الروسي من شأنه حتما أن يبعثر أوراق الأزمة السورية عسكريا وسياسيا، وسيضع حدا لأي تطلعات قريبة للحل السياسي للأزمة، كما من المتوقع أن تتزامن هذه الضربات العسكرية الروسية مع تحركات لجيش النظام مدعوما بفيالق حزب الله والمرتزقة ممن أجرتهم إيران للدفاع عن نظام بشار الأسد.
ويجب إدراك أن تدخل روسيا أيضا جاء على خلفية نتائج متواضعة جدا للتحالف الدولي في سوريا والعراق بعد حوالي العام لم نشهد أي تغييرا على الأرض فيما يتعلق بدحر تنظيمات داعش، كما أن دعم «المعارضة المعتدلة» كان متواضعا وعلى استحياء، ولهذا انتهزت روسيا هذا الفراغ الكبير وتدخلت بقوة في الموضوع السوري، في ظل متابعة عن بعد من قبل التحالف الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة. وكان التردد الأمريكي منذ نشوء الأزمة هو وراء هذه الوضعية المتردية حاليا لوضع المقاومة الشرعية.
لقد اكتفت الولايات المتحدة بالشجب والاستنكار، كما أن كيري وزير الخارجية الأمريكي قد ابتلع طعما من نظيره الروسي الذي أغراه في البداية بأن روسيا ستضرب داعش وحينها بارك كيري هذا التدخل ورحب به، ولكن روسيا كانت قد وضعت لها أهدافا واضحة وسياسة تتناسب مع مصالحها الإستراتيجية في المنطقة. وقد أسقط في يد كيري ومعه رئيسه أوباما ومعهم التحالف الدولي ما تقوم به روسيا حاليا في أرض المعركة بهدف دعم النظام وبالتالي بقاء سوريا كآخر مناطق النفوذ الروسية في منطقة الشرق الأوسط.
لقد أثبتت الأيام وتردد السياسة الأمريكية أن السياسة الروسية هي التي ستفرض شروطها على الأزمة السورية، وكان لدى الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة فرصا عديدة لإنهاء النظام واستبداله بنظام ديموقراطي شعبي ولكن فوتت السياسة الأمريكية للرئيس باراك أوباما هذه الفرص، وأصبحت الآن تحت رحمة واقع جديد وخطير في هذه الأزمة.
إنني أقول وبكل أسف إن التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بالجدية الكاملة للتدخل في سوريا والعراق وإن الضربات الجوية التي تعد بالآلاف على تنظيم داعش لم تكن مجدية ولم تكن فعالة، واختارت الولايات المتحدة أن تقف دور المتفرج من فوق الأجواء السورية والعراقية. وأثبتت سياسة الرئيس باراك أوباما فشلها الذريع في التدخل لحل الأزمة السورية والعراقية، وكأن إطالة أمد هذه الأزمات بات ضمن اهداف استراتيجية للولايات المتحدة.