جاسر عبدالعزيز الجاسر
مشاركة كل هذا العدد من الوزراء والخبراء الدوليين في محادثات فيينا التي تستهدف تغليب الحل السياسي على الحل العسكري الذي أنهك الجميع وتسبب في سقوط مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين منهم وتسجيلهم أكبر نسبة من الهاربين ولا نقول لاجئين لأنهم يفرون من بلدهم لأنهم ينشدون البقاء على قيد الحياة، ولهذا فإن الجميع سوريين وعربا وكل من يقدس الحياة يتابع ما يجري في فيينا ويتساءل هل تنجح محادثات فيينا التي يرى فيها الكثيرون بما فيهم وزراء خارجية ودبلوماسيون بأنها تشكل أملاً في التوصل إلى حل يغلب عليه التفاهم السياسي بعد أن أظهر حلفاء بشار الأسد إشارات على التخلي عنه بعد إجماع المشاركين الآخرين على أنه من أكثر العوائق التي تعرقل الوصول إلى تسوية السياسة للأزمة السورية.
الدول المشاركة في محادثات فيينا وخصوصا أمريكا والمملكة العربية السعودية وتركيا وروسيا وفرنسا ومصر والأردن وحتى الدول التي تتعامل مع نظام بشار الأسد على الأقل ما يعلنون عنه علناً هو التأكيد على بقاء سوريا موحدة غير خاضعة لأي حكم طائفي بانتهاج نظام ديمقراطي تعددي يخضع لإرادة شعبية حقيقية غير مزيفة.
هذا ما يسعى إليه المجتمعون أو هكذا يقولون رغم أن الدول التي أضيفت لاجتماعات فيينا لا تؤمن بهذا التوجه إذ تخضع لإرادات طائفية وتفرض دكتاتورية طائفية بغيضة في بلدانها، كما أن بعض الدول المشاركة في مباحثات فيينا تقوم بأعمال تدفع سوريا إلى التفتت وليس الحفاظ على وحدتها، فهناك سيناريوهات تعمل هذه الدول على تنفيذها وبدأت في أولى خطوات هذا السيناريو من خلال التأسيس لـ(كونتونات) طائفية وخصوصا في التأسيس لدويلة طائفية في الساحل السوري كما أن تكثيف ارسال المليشيات الطائفية بل وتوطين معتنقي مكون مذهبي في دمشق وحمص وحلب وحماة وزيادة هذا الوجود في اللاذقية عمل يكشف السعي إلى تقسيم سوريا، ومع هذا يرى بعض المحللين أن مشاركة هذه الأنظمة وخصوصا نظام ملالي ايران قد يعيدهم إلى الحاضرة الدولية الملتزمة بوحدة الأراضي السورية والالتزام ببنود مؤتمر جنيف واحد، وهو ما تطالب به الدول الاقليمية والغربية من النظام الايراني بأن تعلن تأكيدها وتوقع على بيان جنيف واحد، وأن تكون مشاركتها في تنفيذ العملية الانتقالية بصدق دون صرف العملية وابتزاز الأطراف الإقليمية والبقاء على نفس السلوك الكلاسيكي الايراني الذي يستند إلى تطويل المفاوضات وطرح تفاصيل غير مهمة لكسب مزيد من الوقت في محاولة لاستثمار التدخل الروسي العسكري الذي يعتقد الايرانيون أنه سيغير الوضع على الأرض مما يعطيهم قوة تفاوضية يمكن توظيفها لغرض ما يريدونه ومن أهمية الابقاء على نظام بشار الأسد الذي يرون فيه ضمانة للحفاظ على بقائهم في سوريا وتنفيذ الأجندة الخاصة بالتوسع في المنطقة العربية.
إذن ما تواجهه محادثات فيينا هو الانتهاء من تحديد وضع بشار الأسد الذي تأكد حتى لحلفائه أن من أكثر العقبات التي تحول دون حل مرض في سوريا، والموضوع الآخر الذي يهم المشاركون التأكد منه هو مدى التزام النظام الايراني بما تتخذه الدول المشاركة في هذه المباحثات وهل تظهر طهران ايجابية لهذه المشاركة أم تعمل على تطويل هذه المباحثات في الوقت الذي تتزايد فيه أرقام الضحايا والمشردين السوريين.