سمر المقرن
كم من امرأة تمنت أن تصبح رجلاً في هذا البلد الطيّب المعطاء، الذي لا يعترف بغير الرجال في الميدان، ويرفض أن يرى المرأة في غير بيتها ليقتصر مشوارها ما بين المطبخ وصالة البيت وطاولة الطعام، بينما مشوار الرجل قصير جدًا ليصل إلى وسط الميدان الاجتماعي ويكون له مكانته في مجتمعه، بينما المرأة عليها أولاً أن تصبح بقوة أكثر من رجل، ثم تذهب في مشوار طويل ومميت إلى الميدان ليتم وأد تجربتها على حافته قبل أن تصل لوسطه، كيف لكائن بشري أن ينمو بشكل صحي وسليم وصوته «عورة» وشكله «عورة « ويداه «عورة»، كيف له أن يصبح شريكاً في بناء الوطن وداعماً لقوة الوطن سواء في السلم أو الحرب. إن نزع الأهلية عن المرأة السعودية بهذا الشكل المجاني وغير الدقيق هو ثغرة من الثغرات التي يمر من خلالها «التدعش» واعتناق الفكر المتطرف، إن التضييق على المرأة ومحاولة سحبها من سوق العمل والحياة العامة ورميها في بيتها سيؤدي إلى تفاقم التطرف مثلما هو سابقًا، كل ما نواجهه من صلابة وتعنت فكر الإرهابيين وتطرفهم في سن المراهقة من أسبابه المهمة غياب المرأة عن حياته وعزلها عنه حتى في البيت، لم يعد السكوت مجدياً، لماذا نبحث عن أسباب «التدعش» والإرهاب وتوسيخ المخ دون أن ندرس الماضي ونستخرج منه دروسًا وقرارات لحماية حاضرنا. نحن مثل أهل بيت يقفلون المنزل عليهم هربًا من النار التي تحترق في فناء المنزل، مع معرفتهم التامة بأن النار ستدخل على غرفهم واحدة واحدة مهما أحكموا إغلاقها على أنفسهم.
إن بعض القرارات المبنية على مرجعية خلافية إسلامية حولها خلافات كثيرة هو قرار للاستهلاك الإعلامي وكسب المزيد من الجماهير العاطفية لإلهائها عن حقوقها الأخرى، وكسب نجاح سهل دون عمل أو بذل أي مجهود يذكر، مثل قرار وزير التعليم حول تحفيظ القرآن الكريم وكأن المدارس قبله لم يكن نصف موادها الدراسية دينية وعلى رأسها القرآن الكريم، هذا القرار جعل وزير التعليم يكسب تعاطف أفراد المجتمع العاطفي ليغض الطرف عن مشاكل تكدس التلاميذ داخل الفصول ومشاكل رداءة المباني وضعف محتوى المناهج ومشاكل لا حصر لها تمت معالجتها بقرار عاطفي من الطراز الأول. ولأن وزير العمل ليس أقل ذكاءً من وزير التعليم ولديه مستشارون وأصدقاء إعلاميين أقوياء نصحوه أن يحذو حذو زميله في الوزارة المجاورة ليصدر قرارا بفرض عقوبات على من تخالف الحجاب الشرعي، ليكشف هذا القرار الغامض وغير الواضح طريقة تفكير بعض الوزراء في كسب نجاح وعشق الجماهير دون تعب أو عمل، حيث ترك القرار الحبل على الغارب لكل شخص يفسر على هواه وحسب تشدده وسماحته شكل ومقاس الحجاب الشرعي، مثلما حدث مع العباءة ليصبح هناك تصنيف وتقييم لتدين المرأة حسب طريقة لبس العباءة، لتجد المرأة التي تلبس العباءة التي لا تبدأ من الرأس وكأنها لا تلبس شيئاً من أساسه. إن ترك الأمر لتفكير بعض الوزراء وفهمهم للإعلام وكسب الجماهير سيورط مجتمعنا بقرارات غامضة تدعم أنصار التشدد. أخشى أن يغار وزير ثالث من وزيري التعليم والعمل ليصدر قراراً بعدم إسبال الثوب وعقوبات ستطول من يثبت عليه أنه مسبل، لندخل في دوامات فكرية وخلافات فقهية أكثر وأكثر لتتسع هوة الكراهية ويزداد الشحن العاطفي ليجد مخططو داعش أن ضحاياهم أصبحوا أسهل إقناعاً عن ذي قبل!