عبد الله باخشوين
هناك أشياء كثيرة لا تكاد تراها لشدة اقترابك منها.. فأنت - مثلاً - لن ترى الصورة التي تلتقطها ((عين الكاميرا)).. لأنك تكون داخل مجال الصورة وليس خارجها لتراها.
هناك قصيدة للشاعر الفرنسي ((رامبو)).. وكان فيها متشرداً جائعاً.. يقف خارج ((فرن الخبز)).. لتتجلى شاعريته وهو يصف ((رغيف)) الخبز كيف ينضج.. في عين جائع يراه تحت وهج النار حتى يصبح جاهزاً للأكل.
القصيدة لا ترى ((الفران)) الذي يكتوي بلهب النار ويتصبب عرقاً صيفاً وشتاءً ليخرج لنا خبزاً ناضجاً.
لا ترى الخباز لكنها ترى ما في النار بشهوة التهام الخبز.
تلك القصيدة تشبه في المعنى العربي تلك الحكاية الساخرة لجحا الذي يحمل رغيف خبزه ويذهب لأشهر محل لشواء ((الكباب)) ويجلس ليأكل رغيفه ((الحاف)) متلذذاً برائحة ((الشواء)). كما لو أنه يلتهم خبزه مع أجمل وجبة شواء.
وفي الحياة العادية.. كانت محلات شواء اللحم تعمد الى أن تشوي اللحم في ((الهواء الطلق)) لتنتشر رائحة الشواء وتمثل أفضل ((دعاية)) لمحلات الشواء قبل أن تتطور الأمور لأسباب صحية وموضوعية ويمنع هذا الأسلوب، ومن ثم تصبح ((تقنيات)) شواء اللحم قادرة على إنجاز المهمة داخل المطعم ودون أن تسمح بإخراج ذلك الدخان التقليدي وتجهز نضج اللحم دون دخان أو روائح خارقة.
نعود للصورة
والصورة هذه المرة ليست شخصية لكنها صورة شاملة لـ ((بلد)).. وهي لا تخضع لمقاييس الصورة التقليدية التي تقول انك لن تراها إلا إذا أصبحت خارج إطار ما تلتقطه ((العدسة)).
ففي مقولة ((البلاد)) يجب أن ترى الصورة وأنت داخلها.. ليس وأنت خارجها.
وهذه هي معضلة الحكم.. والتحدي الحقيقي للحاكم.
ولأن هناك - في الحكم - نوعيات متباينة.. بعضها يريد أن يأخذ منك.. وبعضها يريد أن يعطيك.. وبعضها يريد أن يوهمك أنه يعطيك بـ ((اليمين)) ويأخذ كل ما لديك بـ ((اليسار)). فيما البعض الآخر يريد أن يتفاعل معك ولن تندم في التفاعل معه أخذاً وعطاءً.. لأنه يريد أن تكون سيد شُحك وعطائك.
البعض يريد أن يحكمك ويصبح سيد قرارك.. والبعض يريد ان يحكم بك وتكون سيد القرار به.
وفي عالم متحول سريع التطورات غني بالاختيارات وشحيح بها أيضاً.. تصبح أنت الجدار القوي الصلب الذي يحول دون نجاح الخيانات والمؤامرات.. لأنك تكون الرأي الآخر القادر على نقض كل ما تقول به الآراء المتآمرة والممولة التي تهدف استثماراتها لتحقيق مشروعاتها الخاصة بالإيهام أنها مشروعة.
معضلة أي حاكم شرعي.. تكمن في قدرته على مد جذوره عميقاً بطريقة تحول دون الطامعين ودون المغامرين واستثمار الاشكالات التي زرعوها له.. لأن كل مهمة الطامعين تقتصر على وضع الاشكالات وتضخيمها.. وتغذية كل ما من شأنه التشكيك في النجاح والنمو وتحقيق الرخاء والأمن.. ولأن هناك بلاداً كثيرة لم تختبر قوتها في الأزمات والمواقف الصعبة.. نجد أن دولة مثل المملكة العربية السعودية تأكدت قوتها.. وقوة تلاحم أبناء شعبها مع قيادتهم مع بروز أي أزمة أو إشكال.. أو تخريب أو أطماع تمر بها وفي ظل قائد مثقف وإداري محنك مثل سلمان بن عبد العزيز.. وجدنا مثلنا الأعلى القادر على تجاوز كل هذه الإشكالات وعلى جمع كلمة العرب والعالم من حوله.. بمنطق الدولة القوية.. وليس بمنطق أولئك الذين يملكون البترول كسلعة قابلة للتداول صعوداً أو هبوطاً في سعرها.
وتكمن قوتهم في قدرتهم على الاستثمار التجاري لأموال هذه السلعة.. لكنه قائد فذ.. جُبل على الحكمة والصبر.. وساس أحوال المواطنين وأدار شؤونهم لأكثر من خمسين عاماً بتواضع الحليم الذي يدرك أهمية الدور الذي يقوم به قبل ان يصبح ملكاً.. يدير أمور الحكم بالوجوه الشابة التي تليق بهذه البلاد وتحقق أحلام شعبها وتضمن نمو واستقرار مستقبله.
إنه يعمل بما يؤكد أن على المواطن السعودي أن يرى نفسه داخل كل وطنه وليس خارجها.. وهذا طبعاً ليس أغنية أو نشيدا وطنيا أو حتى شعارا.. لكنه حقيقة سوف تتوج بإنجازات كبيرة بأمر ربي.