عبد الله باخشوين
سنذهب أولاً للقول إنه: خارج تقاليد الأنظمة الملكية الشرعية التي تقوم تقاليد الحكم فيها على ((التوريث)).. ينقل الحكم فيها من الأب للابن - متجاوزاً - إخوة الملك.. جاء نظام المُلك السعودي خارج هذه المعادلة.. بعد أن أرسى جلالة الملك عبدالعزيز قاعدة توارث الحكم بالانتقال للإخوة وليس لأبناء الملك.. ونعرف التسلسل التاريخي بسعود وفيصل وخالد، وفهد، وعبد الله، وصولاً إلى سلمان.. الذي وجد أن الحتمية التاريخية التي فرضها - أولاً - القائد المؤسس
جلالة المغفور له الملك عبد العزيز تفرض عليه - كملك - أن يكمل مسيرة هذا التقليد بالانتقال والدخول في دائرة أحفاد المؤسس، لاختيار من يصلح منهم لتولى حكم البلاد من بعده.
وهنا نجد أن قاعدة التتابع وفق ((السن)) تنتفي تماماً.. خاصة أن معظم الأحفاد لهم ممارسات عملية سواء عبر إمارات المناطق أو غيرها من المناصب التي تقلبوا فيها.. وهى أمور أخضعها الملك سلمان - بتجربته الإدارية الطويلة - للتقييم.. ودون أدنى محاولة مني أو من غيري للتشكيك في القدرات والكفاءات.. فإنَّ مقاييس الصلاحية للحكم يحددها الملك بما لديه من خبرة ودراية ومعرفة أكيدة بما في ملفات أبنائه وأبناء إخوته من مميزات وسلبيات هي الفصل في حكمه.. لأن الهدف ليس هو اعتلاء العرش بعده.. بقدر ما هو ضمان مستقبل قوتها ووحدتها بعيداً عن الأهواء والأطماع.. وبعيداً عن النزعة الأنانية التي يرى الإِنسان من خلالها نفسه.. ففي كل الأحوال لا شيء قادراً على التأثير على المكانة الاعتبارية التي يتساوى فيها الأحفاد.. ويتبارزون فيها في أعين أبناء الشعب السعودي من خلال أعمالهم وإنجازاتهم التي وصلت بهم إلى قمة حدود سقف عطائهم.. وتفرض عليهم النظر بعين التقدير لكل من هو قادر على الإنجاز والتطوير والخروج بالبلد من كل ما يحيط بها من إشكالات ويضمن قوتها ووحدتها.
هذا عن الرؤية السعودية لمفهوم الحكم.. لكن ماذا حدث من حولنا في بقية أنحاء الوطن العربي؟
أولاً يجب أن نعرف أن حزب ((البعث العربي الاشتراكي)) هو الذي أسس مفهوم ((التوريث)) في الأنظمة ((الجمهورية)).. وهذا الذي ألغى فكرة التعدد والتداول ووضع مهمة إدارة الحزب والدولة في يد الطائفة والعشيرة والأهل والأقرباء.. وذلك في المؤتمر الذي عقد في بيروت بعد انفصال سوريا عن وحدتها مع مصر.. وبدأ تطبيقه بعد نجاح حزب البعث في العودة للحكم اعتباراً من عام 1963.
أما بعد أن نجحت مجموعة حافظ الأسد في الاستيلاء على مقاليد الحكم في سوريا اعتباراً من عام 1966 ونجح ((التكارتة)) في الاستيلاء على مقاليد الحكم في العراق في عام 1968.. فقد أصبح حكم سوريا في يد الطائفة ((العلوية)) وأصبح حكم العراق في يد ((التكارتة)) الذين منهم احمد حسن البكر وصدام حسين.
من العشيرة انتقل حكم حزب البعث للعائلة.. فحكم حافظ الأسد سوريا بسرايا الدفاع التي يديرها شقيقه رفعت، وقرر نقل الحكم لابنه ((باسل)) أولاً.. وبعد أن قُتل تحول هذا الدور إلى ((بشار)).. وحتى قبل أن يتولى بشار.. نجح حافظ الأسد في بث عدوى ((شهوة)) التوريث إلى كل ((الجمهوريات)) العربية.. فأخذ كل رئيس جمهورية يعد أحد أبنائه لتولى منصب الرئاسة من بعده.
هكذا أصبح الحال في مصر ((مبارك)) واخذ يتم الترويج لخلافة ((جمال)) لوالده.. وفي ليبيا اخذ القذافي يدفع للترويج لسيف الإسلام كولي للعهد.. وتبنى علي عبد الله صالح هذه الفكرة في اليمن ومازال يحلم بها ويروج لها بوجود ابنه على رأس قوة عسكرية ما. أما صدام حسين فقد خذله أبناؤه ولم يتمكن من السيطرة على ترفهم وأهوائهم فخسروا جميعاً كل شيء.
وحده حافظ الأسد تحرك وفق التكتيك الكوري الشمالي - فقد قام أولاً بإبعاد أخيه رفعت.. ثم دفع القيادة السورية لتغيير أسس نظام حكم سوريا.. للإبقاء على قوة ومكانة الطائفة العلوية.. وتم إلغاء بند السن الذي يقول أربعين عاماً لرئيس الجمهورية وتحول لما يناسب سن بشار الذي لم يكن يتجاوز الرابعة والثلاثين.. وتم ذلك بمباركة روسية وفرنسية أيضاً لأن السيد بشار تخرج من إحدى جامعاتها كطبيب عيون.
أما شروط الاستقرار فقد تكاملت وتمت في الأردن بنقل ولاية العهد من الحسن ((الذي كان يعرف انه مؤقت في ذلك المنصب)) إلى عبد الله الوريث الشرعي والأساسي. كذلك الحال في دولة المغرب التي تم فيها كل شيء وفق ما هو مرسوم له ويعرفه عامة الشعب.. ومضى كل شيء في دول الخليج يتم بسلاسة في البحرين وقطر والكويت والإمارات.. وفق ماهو مقرر ومعروف.
غير أن الإشكالية تكمن في حركة المال والاقتصاد.. لأننا أصبحنا نعرف أن أبناء القذافي مساهمون كبار في الأندية الإيطالية، وأن أبناء حسني مبارك كل محاكماتهم تتم بأسباب تجاوزات مالية.. وأن الشقيق الأصغر لبشار الأسد هو إمبراطورية مالية كاسحة.. وأن النجل الذي يقترحه علي عبد الله صالح كوريث يدير نحو ثلاثين ملياراً من ممتلكات أبيه.. وان العراقيين نهبوا من مزارع الكمالية والمحمودية حقائب مليئة بملايين الدولارات التي خبأتها عائلة صدام حسين على أمل الخروج بها في الوقت المناسب. لذا لا يدهشني موقف الدول الكبرى الموالي لبشار الأسد لأن بشار قوة مالية كبرى لم يحسب حسابها أحد أو يأخذها بعين الاعتبار.
إن كل معارضي طبيب العيون يرون عدم صلاحيته للحكم.. وهو إلى هذا يبدو بعيداً عن النظر إليه بعين ((الثروة)) التي ورثها عن أبيه عبر أربعين عاماً من حكم سوريا.