عبد الله باخشوين
في الهندسة المعمارية هناك ما يمكن أن ندرجه تحت اسم: (التوأمة). ففي أستراليا مثلاً هناك عمارات ومبانٍ وأسواق هي نسخة طبق الأصل من أخرى موجودة في هونغ كونغ وكندا ودبي.. ويبدو أن أصحابها تواصلوا مع الشركات والمهندسين الذين صمموها، واتفقوا معهم على بناء (كوبي) منها؛ لأنهم أُعجبوا بتصميمها. كذلك هو الحال في أحدث عمارات قطر التي اعتمدت نسخ نماذج مبتكرة غير تلك التي تم بناؤها بدبي.. وكذا هو الحال في (سوق واقف)، الذي هو خليط من أسواق عدة.
غير أن ما أدهشني فعلاً هو أن أمانة مدينة جدة قامت بتطوير كورنيش مدينة جدة عن شمال وجنوب قصر السلام باعتماد نسخة مكررة طبق الأصل من كورنيش مسقط الذي يمتد من منطقة (السيب) حتى يصل إلى منطقة قصر جلالة السلطان قابوس. ولا أدري هل تم اعتماده لمجرد الإعجاب به أم أنه نسخ عن طريق الشركة المنفذة التي قدمت خرائط الكورنيش دون أن تشير إلى أنه سبق لها تنفيذه في عمان.. وهذا يتنافى مع مفهوم الخصوصية التي يفترض أن تعتمدها المدن لمنشآتها بطريقة تجعلها مميزة وذات هوية خاصة، تليق بخصوصية المكان.
أحد الأصدقاء قال لي إن سوق نايف دبي نسخة مصغرة لأحد أسواق جدة القديمة في هندسته المعمارية، وطبيعة نشاط البيع فيه.
ومن المعروف أن النشاط العمراني الواسع في دول الخليج يدعو للاستعانة بشركات عربية وأجنبية وبمعماريين عرب وأجانب.. لكني أعتقد أن من شروط العمل الأساسية إلى جانب الجودة والمتانة والإتقان هو شرط الابتكار والخصوصية أيضاً.
غير أن كورنيش جدة بدا كأنه يريد أن يوحي لي وأنا أحد سكان جدة بأنني في مسقط.. أو أن كورنيش مسقط ليس سوى كورنيش جدة في نوع من التكرار الذي لا ينم عن الذكاء أو الموهبة أو الابتكار.. لأن كل مدن العالم الكبرى تحرص على أن تحافظ على هويتها وخصوصيتها التي تميزها عن بقية مدن العالم. أما هذا النوع من التوأمة فلا أدري ماذا يمكن أن نطلق عليه بمفهوم الفن والإبداع؛ لأنه بالمفهوم الفني والإبداعي هو نوع من النقل الذي يسمى سرقة عند البعض، وتقليداً عند البعض الآخر، ونوعاً من التشويه في كل الأحوال.
وهو ينم عن العجلة والاستسهال.. لأن محاولة إعادة التنفيذ بالتقليد أسهل كثيراً من العمل الجاد الذي يقوم على الموهبة والابتكار والرغبة في الحفاظ على هوية المكان بما يؤكد خصوصية جمالياته، خاصة مقارنة بعمان التي هي مميزة في كل شيء، ولا تشبه مدنها أي مدن أخرى. فيما تعتبر جدة من المدن الكبرى ذات السمات التجارية والسياحية والتسويقية التي يجب أن يحاكَى ما لها من جمال.
طبعاً، هذا يختلف عما يقوم به بعض الناس عند بناء بيوتهم حين يعجب أحد ما بتصميم بناء جاره أو قريبه؛ ويطلب منه خريطة المبنى؛ ليعيد تنفيذها لبناء بيته، ويوفر الكثير من المال الذي سيذهب للمهندس والخرائط وغيرها؛ لأن صاحبنا يريد بيتاً والسلام.. أما المشاريع العامة فهي ضمن خطط الدول وميزانياتها ومستوى الإنفاق الذي تعتمده، وهي تبقى للتاريخ والزمن.. وليست أعمالاً خاصة.. أو مشاريع ذاتية.. أو وهمية أو تجارية.