عبد الله باخشوين
..هناك قصص لا يكتبها الكاتب.. لكنه يتحدث عنها.. لا أدرى لماذا.. لكن.. ربما لأنه لم يجد المدخل المناسب.. أو أنها (تأتى إليه) في وقت يكون فيه مشغولاً عنها بـ(هم) آخر.
وأنا حين أحدث الآخرين عن (فكرة) قصة ما.. لا أخشى أن يقوم بـ(السطو) عليها.. لأني أومن أن لكل كاتب عالمة الخاص الذي لا يمكن لأي فنان أو كاتب آخر أن يقتحمه بنفس الروح والخصوصية.. غير أن هناك كُتاب محترفون.. يسعى الواحد منهم لاصطياد آية فكرة (تصلح) للكتابة.. ويقوم بكتابتها بطريقة.. لا تليق بما يعتقده من اقترحها.. لكنها تدخل لديه في (العدد) كأن تكون قصة جديدة والسلام.
بينما - أنا - أعول على (الخصوصية).. لذلك أتحدث عن قصص غير مكتوبة لبعض زملائي الكتاب دون خوف من أن تشغل تفكيرهم.. إلى الحد الذي يجعلهم يفكرون في كتابتها نيابة عنى.. ودائمًا أجد هذه الحرية في التفكير وأنا أتحدث لمبدع كبير مثل محمد علوان.
غير أن فكرة أن تكتب فكرة كاتب آخر وجدتها حية لدى كاتب مثل عبده خال الذي كتب نيابة عني قصة (حالة إصغاء) التي امتنعت عن نشرها بعد أن كتب على طريقته نسخة من فكرتها - لم أقرأها حتى الآن - أما الفكرة الأخرى فقد تحدَّثت عنها مع المبدعة الكبيرة رجاء عالم.. ومن شدة إعجابها بها.. هددتني وقالت على طريقة أهل مكة:
- شوف ترى لو ما كتبتها أنا راح أكتبها.. عقلك في رأسك وتعرف خلاصك.. أنا مالي صلاح.
وطبعًا كانت الفنانة المبدعة شادية عالم تجلس إلى جوارها.. وأيدتها.
لكن رؤية رجاء عالم تنطلق من أنني كاتب كسول أضيع وقتى فيما هو غير مفيد.. خاصة بعد أن عرفت أني وابنى الأصغر (حكم) نقوم بجمع أفلام الكارتون (توم أند جيري) ونسهر لمشاهدتها آلاف المرات.. وهي ترى أن هذا الوقت يجب أن يقضيه الكاتب في كتابة ما هو مفيد.. وليس في الضحك على مقالب القط والفأر.
وهي تطبق هذا في مهنة الكتابة فمنذ ذلك اليوم كتبت ونشرت أكثر من ست روايات وفازت بجوائز كثيرة. فيما أنا ما زلت أتحرك ضمن إطار عالمي الكتابي المحدود بقناعة تامة لأنني أعامل نفسي كرجل أمي يهوى الكتابة ويتورط فيها حين لا يجد بديلاً لها.. أما إذا وجدت أي بديل كأن يكون (بينك بانثر) مثلاً أو أي فيلم ممتع.. فإنني أجد هذا أجمل من الكتابة.. لأن طموحي وحلمي في الكتابة.. أصبح يريد أن يحاكي أفلام الكرتون.. بمعنى أن استطيع كتابة إبداع.. قابل للطي والنشر على السواء. فأبطال أفلام الكرتون لا ينتهون لكنهم يموتون ويتكسرون لشظايا.. ثم يعودون لحالتهم الأولى ويكملون الحكاية أو اللعبة.. كأن شيئًا لم يكن.. وهو شيء غير ممكن في الكتابة.. وفكرة القصة التي أغرت رجاء عالِمَ لا أدري هل كتبتها أم لا.. تتحدث عن:
- منطقة (جبرا) القديمة في الطائف التي كانت مجموعة في مساحات متلاصقة من البساتين التي تحيط بالقصور التي بنيت داخلها.. لا يفصل بينها سوى جدار طيني.. ومن خلال بستانين متجاورين.. تنشأ قصة حب بين شاب وفتاة.. لكن اللقاء بينهما صعب حسب ظروف العائلتين.. وخلال سباحته في بئر بستانه يكتشف في قعر البئر ممر (مضيئ) وبعد المران لعدة أيام على أخذ نفس عميق يساعد على الوصول لمصدر الضوء.. استطاع أن يصل إلى نهايته وعرف أنه يوصله لبئر البستان المجاور.. عندها.. يحل معضلة اللقاء بحبيبته ويتمكن من مواعدتها ولقائها دون أن يعرف أحد. فكانت تنزل لبستان بيتها وتجلس على حافة البئر.. ويغوص هو في بئر بستان بيتهم ويسبح إلى أن يصل للبئر الذي تنتظره عند فوهته.. غير أن هناك حادثة تتم خلال إحدى مرات سباحته وتؤدي لحدوث مأساة تنتهى قصة الحب على نحو غير متوقع وغير سعيد.
كتبت عدة أجزاء منه تمثل البداية.. ثم انصرفت عنه منذ أكثر من عشر سنوات فلم أجد أن لدى قدرة (إبداعية) تستجيب لمتطلبات القصة بطريقة فنية تمنحها الحيوية والحياة التي تجعلها قادرة على العيش في ذاكرة القارئ بحرارة تليق بمعاناة رحلته في الغوص والمران على قطع مسافات طويلة تحت الماء. أما أهم ما أعاقني.. فهو عدم حبى للسباحة بشكل عام وخوفي من الماء بعد أن كدت أغرق في طفولتي خلال رحلة جماعية إلى (غدير البنات) بالطائف.. وهو ما يعني عدم قدرتي على التفاعل مع الحدث بشكل إيجابي والآن لم يعد من الممكن طرح مثل هذه الحكاية للتعبير عن جذوة الحب بطريقة تجعلها حية وتصل للقارئ الجديد.. الذي يعيش تحت هيمنة ما لديه من تقنية حديثة تختلف عن قصص الماضي الذي أريد أن استعيد تلك القصة منه.. أزعم أنني أصبحت شديد الحذر في الكتابة.. لأنني صرت أحلم أن أصبح قادرًا.. على التفاعل ومحاكاة تطور الجيل الجديد الذي يعتمد على ثقافة ولغات وتقنيات.. تتجاوز أصول ثقافتي ومفاهيمي.. خاصة وأنا أسمع من يعلق على كلامي:
- والله يا أبويا صار تفكيرك قديم.. كأنك منته عايش معانا.
مرة قلت لليلى الاحيدب - صديقتي المبدعة - إننا سوف نجد أن كل القصص المستقبلية تتم كتابتها وتداولها على أجهزة الجوال ونجد أننا ككتاب قصص ربما سنكون على الهامش في وقت قريب.