جاسر عبدالعزيز الجاسر
الشعوب هي من تصنع قادتها وزعمائها وبالتالي تستحق قيادة نظيفة تدير وطنها نحو الرخاء والرقي وبالعكس تحصد الشعوب تنصيبها قادة فاسدين وتجني سكوتها على بقاء تلكم القادة على سدة الحكم وبقدر تحملهم لتلكم الحكام عليهم تحمل المشكلات والصعاب التي تحاصرهم التي تتكاثر وتزداد كلما طالت مدة بقاء من أوصلوا بلدهم للوضع المزري الذي يحاصرهم.
هذا ما نلاحظه في بلدان عربية عديدة كسوريا والعراق ولبنان الذين يعيشون وضعًا سيئًا بسبب نظام المحاصصة الطائفي الذي مكن قوى طائفية من تدميره وتجريده من كل مؤسساته الدستورية ومع أن تأثير النفوذ الإيراني الذي أوجده وأفرزه نظام المحاصصة ومكنه من بناء تحالفات جميعها تستهدف مصالح قيادات الطوائف على حساب مصلحة الوطن وحتى مصالح المواطنين من الذين ينتمون للطائفية نفسها التي حولتها قيادة تلك الطائفة إلى أعوان لتنفيذ ما يطلب منهم لتضخيم نفوذهم وحتى ثروتهم وقد أدى تحالف قادة طائفتين إلى تدمير لبنان من كافة النواحي.
واليوم لبنان الذي كان يمثل الزهرة الفواحة في حزمة زهور الوطن العربي والرئة التي يتنفس منها العرب والشرق أوسطيين جميعهم بما فيهم العجم والترك أصيبت بثقب في الرئة والآن مهدد بالتهاب رئوي حاد.
من كان يتصور أن شوارع بيروت التي كانت تفوح منها الروائح الشذية لا يمكن للمرء أن يتحرك داخلها إلا بكمامه تمنع تسرب الروائح الكريهة إلى أنفاسه.
ويوم الأحد تعرضت بيروت كغيرها من المدن الساحلية للبحر الأبيض المتوسط إلى موجة أمطار غزيرة حولت شوارعها إلى بحيرات، وهذا وضع اعتاده البيروتيون إلا أن الذي جعل الوضع أكثر سوءًا هو وجود أكوام القمامة التي جرفتها سيول الأمطار فتحولت الشوارع إلى أنهار تنقل النفايات والقمامة وانتشرت الروائح الكريهة التي حلت محل روائح الأزهار الفواحة التي كانت تنتشر في المدينة التي كانت فعلاً عروس البحر الأبيض المتوسط قبل أن تخربها عصابات المحاصصة الطائفية وأصبحت بيروت ومعها لبنان مهددين ليس فقط في غياب مؤسساته الدستورية وانفلات الأمن وسيطرة المليشيات الشيعية التي استعرضت في الأيام الماضية في مسيرات اللطم والتطبير، فظهرت التشكيلات القتالية التي تركت مواجهة العدو الرابض على الحدود إلى فرض سطوتها على المواطنين في الداخل.
وبعد فرض الفوضى السياسية وتجريد الحكومة اللبنانية من صلاحياتها وجعلها عاجزة من معالجة ما يطلب منها لتسيير شؤون الدولة وبعد العجز في انتخاب رئيس للدولة وصل الأمر إلى صحة المواطن اللبناني الذي يشاهد تدمير البيئة وتحولها إلى بيئة تهدد حياة الإنسان فاغراق الشوارع بأنهار السيول المحملة بالنفايات سيلوث مياه لبنان الجوفية وأنهارها وحتى سواحل البحر، مما يجعل مياه لبنان ملوثة وهو ما يهدد بانتشار أمراض خطيرة من أكثرها احتمالاً مرض الكوليرا، كما أن جرف النفايات من قبل سيول الأنهار إلى المصبات حيث تصل إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط وهو ما يوسع بقعة التلوث لتنتقل إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط وستصل حتى إلى مرسيليا في فرنسا مرورًا بالإسكندرية وتونس والجزائر غربًا واسطنبول واللاذقية شمالاً.
هذا حال لبنان وهذا ما أوصلته تدخلات الغرباء في شؤونه وما آلت إليه عملية المحاصصة التي من خلالها يريد قادة الطوائف تقاسم الموارد حتى التي تأتي من النفايات.