د. عبدالعزيز الجار الله
كانت هناك صعوبة كبيرة ومعقّدة في تركيبتها قد واجهت الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني، هي كيفية استعادة التراث العمراني الذي اندثر مع أول هبات الطفرة الاقتصادية التي مرت بها بلادنا منذ عام 1395هـ - 1975م، واستمرت مدة عشر سنوات تلتها مرحلة ركود اقتصادي، لكن حركة هدم التراث المعماري استمرت في جانب المنازل والمرافق الشعبية، مع المحافظة على بعض المباني الرسمية، بعد أن نشأت هيئة السياحة والآثار مع بداية الألفية الثالثة وصدور قرارات من مجلس الوزراء تؤكد على المحافظة على التراث العمراني.
فقد أشرت في المقال السابق إلى الصعوبة التي تواجه الأمير سلطان بن سلمان لأنّ هناك هجمة تمت ومازالت لهدم التراث المعماري، وهي ليست بسب الجهل لكن ظرف التنمية الاقتصادية تطلّب الإزالة والهدم، وهذا أيضاً ليس مبرراً للاستمرار في التدمير، فالمرحلة التي مررنا بها عاشتها كثير من الدول، لكن تمت وفق منهج وخطط باستثناء الدول التي خاضت الحروب، فقد دمرت آثارها وتراثها بلا هوادة كان آخرها سورية والعراق، أما في تراثنا، فقد اختفى التراث العمراني عبر جهتين هما بعض القطاعات الحكومية (البلديات) وغيرها، حين فرضت التنمية العمرانية أجندتها وقرارها، كذلك القطاع الخاص عبر إحلال الحديث بدلاً من القديم:
أولاً: القطاعات الحكومية، تم محو بعضٍ من التراث العمراني بالهدم والإزالة - نزع الملكيات -، وهذه تمت في الأحياء الشعبية القديمة شملت معظم مناطق المملكة أزيلت مباني الحجر والطين من أجل إنشاء طرق جديدة، وفتح الشوارع وتوسعتها داخل الأحياء، والتخلص من المنازل الآيلة للسقوط، والتوسعة في الساحات والحدائق.
ثانياً: القطاع الخاص، إحلال مبانٍ حديثة مكان المباني التراثية، تمت على نطاق واسع بإزالة المباني القديمة لصالح العمائر الكبيرة والأسواق المركزية والأبراج والفنادق.
لكن الصورة ليست بالسوداوية كما هو الانطباع الأولي، فمازال لدينا المزيد من الوقت في حفظ تراثنا المعماري، فما تبقّى من تراثنا له قيمة مضاعفة، كمبانٍ شاخصة حتى الآن تعبّر عن التراث العظيم الذي خسرنا بعضه، كما تعتبر نماذج أصيلة يمكن الاستشهاد بها، أيضاً الاستفادة منها في إحياء التراث كما هو الحال في القرى التاريخية الباقية والقائمة بشكلها القديم، يضاف إلى ذلك القرار السامي الذي سعت هيئة السياحة إلى استصداره بعدم هدم أي مبنى تراثي إلا بموافقة هيئة السياحة، يعتبر من القرارات المهمة للمحافظة على التراث العمراني.