د. عبدالعزيز الجار الله
لا يستطيع الأمير سلطان بن سلمان حتى وإن أراد أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء ويحافظ على تراثنا العمراني، لا يستطيع بصفته رئيسا لهيئة السياحة والتراث الوطني، ولا بصفته الشخصية كباحث في التراث العمراني ومحب لقصة الأمس وتأصيل الطراز المعماري السعودي وأيضا العين الراصدة والمحافظة على هوية العمران بلادنا.
لا يستطيع الأمير سلطان لأن ما تم تدميره في الدورة الاقتصادية الأولى - الطفرة - أو ما نسميها التنمية الأولى لا يمكن إرجاعه واستعادته، كان التدمير والهدم غير مقصود لكنه شاملا بلا استثناء، شمل المدن والقرى والأرياف وحتى الهجر، كانت ثورة عاصفة على الطين، تمت بطريقة أشبه بالانتقامية مدن كاملة تبدل معمارها من الطين والحجر وصخور البحر إلى الصبة الخرسانية بقفزة سريعة ليصبح أفقنا مغطى حتى أطرافه بالعمارة الإسمنتية، في زمن الطفرة لا أحد يستطيع وقف الهدم حتى لو افترضنا أن الأمير سلطان بن سلمان، وقانون الآثار والتراث، وهيئة السياحة والتراث موجودة وحاضرة لن تستطيع إيقاف حالة الزحف والهدم الجماعي من المجتمع وتعجله في استبدال بيت الطين والبيوت (المسلحة) بالطوب الأسمنتي وبيوت الجص إلى بيوت الصبة الخرسانية، كانت ثورة عمرانية عارمة لا أحد يستطيع إيقافها على طريقة الفوضى الخلاقة، فكانت تماثل الجراحة المستعجلة.
عام 1395هـ /1975م استيقظ الناس على عهد جديد من عوائد النفط وامتلأت خزانة الدولة بالأموال نتيجة ارتفاع قيمة براميل النفط وكانت خطة الدولة الخمسية الأولى جاهزة، أعطت الدولة بسخاء لا حدود له أعطت منح الأراضي المجانية وأرفقت معها قروضا مالية ميسرة وبدون فوائد تسدد على مدى (25) سنة من أجل بناء المساكن، وتوسعت في منح الأراضي والقروض لإنشاء وإقامة المشروعات الصناعية والزراعية والتجارية، فالدولة ومن واقع مسؤولياتها اضطرت إلى التعجيل في إدارة عجلة التنمية، والمجتمع أيضا تعجل في سباق مع الزمن للانتقال إلى حياة جديدة كان الضحية التراث العمراني والإرث التاريخي الذي حافظنا عليه طيلة الحقب التاريخية وقضمناه في سنين قلائل. خلال عقد فرطنا بهذا الموروث بلا حساب لا للحقل ولا للبيدر.
أحاديث الأمير سلطان بن سلمان تفتح المواجع على فقدان الذاكرة التاريخية لطراز معماري كان غني بالرموز والمعاني، وكان شاهدا على حقب تاريخية لو تركت لنا لكانت استثمارا ماليا يرفد السياحة ويحمي هويتنا الوطنية.