د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
حراك دبلوماسي مكثف، ومبادرات متلاحقة، وبحث أفكار إقليمية ودولية، وداعش يحقق أول تقدم استراتيجي له في الشمال السوري منذ 14 شهراً، مؤشر على فشل الغارات الروسية، واكتشف الروس أن تحقيق تقدم أيضاً ضد المعارضة أصعب مما كانوا يتوقعون، والانقسام السياسي العراقي بين التحالفين الدولي والرباعي
يهدد مستقبل الحرب ضد داعش، والقادة العسكريون وشيوخ العشائر يتخوفون من حصول انتكاسة كبرى.
الأزمة الاقتصادية تضع الدب الروسي أمام سيناريو حتمي للتقشف، والتنين الصيني يتمدد في الفناء الخلفي للدب الروسي، وفرصة التنين الصيني إعادة تشكيل اقتصادات آسيا الوسطى المتعثرة لهبوط أسعار السلع الأساسية وركود اقتصاد روسيا.
هناك صدع في تحالف واشنطن - لندن لتباين المصالح مع بكين، فيما تسابق الصين الزمن لإنجاز اتفاقية للتجارة الحرة في آسيا، وتجري محادثات تجارية مع اليابان وكوريا الجنوبية، فيما تسعى الولايات المتحدة لمواجهة الطموحات الصينية في الشرق الأقصى إلى اختراق سياسي لجمع قادة اليابان وكوريا الجنوبية، في المقابل توعدت الصين برد حاسم على استفزازات واشنطن، واستدعت سفيرها من واشنطن احتجاجاً على إبحار مدمرة أمريكية قرب جزرها الاصطناعية.
الكل مقتنع برحيل الأسد، ولكن متى؟ وهناك شيء يتحرك وراء الكواليس رغم المشادات العلنية والعبارات الصارخة مثل إصرار عادل الجبير وزير خارجية السعودية الذي قال «لا مستقبل للأسد في سوريا، إما أن يرحل عبر عملية سياسية أو عبر عملية عسكرية»، وكل الأطراف صاحبة مصلحة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
اتصال بوتين بالملك سلمان مرتين في أقل من أسبوع، وهناك اجتماعات متعددة، الأول كان في 28/ 10/ 2015 بين وزراء خارجية أربع دول، هي أمريكا وروسيا والسعودية وتركيا، فيما ينضم إليهم بعد يومين نظراؤهم من إيران ومصر والعراق ولبنان الذين دعتهم الولايات المتحدة في حال لبت هذه الدول الدعوة، بينما طالبت موسكو بأن يشمل الاجتماع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والأطراف الإقليمية، مثل مصر وإيران وقطر وكذلك الأردن والإمارات؛ ما جعل الجبير يقول «نحن نختبر روسيا وإيران على رحيل الأسد»؛ ما يعني أن السعودية توافق على انضمام إيران إلى الاجتماعات شرط أن تكون دولة متعاونة، وتغير من دعمها للأسد هي وروسيا. وقال الجبير «الموقف في سوريا واضح، إما أن يرحل الأسد عبر عملية سياسية أو عبر عملية عسكرية».
فيما استبعدت روسيا وإيران من اجتماع وزاري للنواة الصلبة الداعمة للمعارضة، غاب عنه أيضاً كيري وزير خارجية أمريكا وهاموند وزير خارجية بريطانيا (فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والسعودية والإمارات العربية وقطر والأردن وتركيا)، استضافته العاصمة الفرنسية في 27/ 10/ 2015.
لقاء القمة جمع بين الرئيسين فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ثم تلاه الاجتماع الوزاري، وغياب الوزيرين الأمريكي والبريطاني احتجاجاً على المبادرة الفرنسية متعددة الأضلع التي أطلقها الوزير فابيوس، والتي تتضمن تقديم مشروع قرار فرنسي أوروبي إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة ومنع النظام السوري من استخدام البراميل المتفجرة؛ لأن أوروبا يهمها موضوعان، هما الإرهاب والهجرات الكثيفة للسوريين باتجاه بلدان الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، أوروبا منزعجة من تغييب الدور الأوروبي في فيينا لاستعادة دورها المسلوب، ورغبة في عدم إتاحة الفرصة للقوتين روسيا والولايات المتحدة في الاتفاق فيما بينهما، ثم فرض تفاهمهما على الآخرين، وخصوصاً بعدما لاحظت أوروبا أن الاتصال بين كيري ولافروف يومياً أقلق باريس بعدما أظهر كيري ليونة زائدة في التعاطي مع الأفكار الروسية التي لباريس تحفظات عليها تحالفاً مع الحليف السعودي.
وفرنسا ترفض لروسيا أن تقوم بدور الخصم والحكم في آن واحد، وهي لا تثق في الأهداف الروسية الحقيقية في سوريا، ولا في استعدادات الأسد، وخصوصاً أنها تقرأ من تصريح الأسد عندما قال «لا يمكن تنفيذ أي مبادرة أو أفكار أو ضمان نجاحها إلا بعد القضاء على الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد»؛ لذلك أكد عادل الجبير عندما قال «إن الأسد هو سبب ظهور الإرهاب، لذلك لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بعد رحيل الأسد».
لم يتضح حتى الآن ما إذا كان زخم اللقاءات سينتهي بإقرار حل توافقي في ظل تباين مواقف الأطراف العربية والدولية المعنية بالأزمة السورية بين الشق الذي يرفض فكرة أن يكون الأسد ضمن مرحلة انتقالية والشق الآخر المعارض أصلاً لرحيل الأسد أو استبعاده على الأقل من حل سياسي محتمل. ورغم ذلك كيري يعتقد أن ليس هناك حل فوري بل في البداية التوجه نحو تقريب وجهات النظر بين الأطراف كافة الذين لديهم مصالح متعارضة عبر اجتماعات تمهيدية، وخصوصاً أن هناك قواسم مشتركة بين الجميع.
روسيا لا تجد لها مصلحة في إطالة أمد وجودها العسكري في سوريا، وخصوصاً بعدما سلم الأمريكيون ملف سوريا إليهم، لكن لم يتوصل المجتمعون إلى توافق فيما يتعلق بمصير الأسد، فيما اتفقت الدول الأربع على مواصلة تلك المشاورات.