د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
التضخم والبطالة ركنان أساسيان في النمو الاقتصادي لا يمكن تجاهلهما، وكذلك لا يمكن مقايضة أحدهما على المدى الطويل، أي كلما ارتفع التضخم زادت نسبة البطالة حتى ولو كان النمو الاقتصادي مرتفعًا بالرغم من أن التحفيز على المدى القصير يمكن أن يسهم في معالجة البطالة ولكن بشكل وقتي مثله مثل النظرية الكنزية التي تطالب بتحفيز المشروعات الحكومية لتوفير وظائف فقط من أجل تحفيز الإنفاق الاستهلاكي.
فتحقيق الازدهار للجميع هو تحدٍ كبير جدًا إِذ يعتقد البعض أن رأس مالية الأسواق المتنافسة هي التي تسهم عادة في الازدهار ولكن من خلال توفير شرطين أساسيين في هذه السوق وهما تقييم المخاطر وضبط التكاليف بدلاً من الأسواق التي تدور حول الغموض واللبس.
كما يجب ألا تخضع تنافسية الأسواق لسيطرة الشركات الكبيرة على الدولة كما يجب ألا تتحكم الدولة في الشركات الكبيرة، بل تشرف عليها وتمنعها من الاحتكار حتى تضمن الدولة أن يكون سير عمل الشركات في اقتران العمل برأس المال بطريقة منضبطة ومنظمة وفق القوانين والضوابط التي تحكمها قوانين المالية والعمل حتى ينشأ عنها اقتصاد قائم على الاتحاد ووحدة الهدف حتى تتلاشى بيروقراطية الدولة التي تعيق نمو الإنتاج وتتلاشى احتكار الشركات التي تقضي على التنافسية التي ترفع من الأسعار وتمنع تحقيق الرفاهية والازدهار للجميع.
فمثل هذا النوع من الاقتصاد المنضبط بتلك الشروط الواجب توفرها من شأنه أن يضع حدًا لاستبعاد الموظفين من قبل أصحاب العمل حتى يوافقوا على شروطهم، أو توجه الشركات نحو عمليات تسريح جماعي للعمال من قبل أصحاب العمل نتيجة انهيارات أصابت الشركة بسبب توجه الشركات نحو العمل في أسواق الظل أو الأسواق الموازية بعيدًا عن العمل الإنتاجي المناط للشركة التي لا تحتاج هذه الأسواق إلى موظفين فتتجه الشركات عادة نحو التسريح، أو بسبب المخاطر العالية التي تكون قد منيت بها نتيجة ممارستها العمل في أسواق الظل.
وتصبح مسؤولية الدولة هي منع الشركات من السيطرة على الدولة، مما يقودها نحو السيطرة على السوق لأن السياسيين أصبحوا طرفًا غير محايد ويصبحون جزءًا من الشركة وهذا يقود إلى إلغاء التنافس السوقي الذي يفتقر إلى التمكين والتحفيز وتشجيع التجريب والاستكشاف ومحاولة الاختبار مما يجعل الاقتصاد يفتقر إلى المكونات اللازمة للتشغيل عند تخوم الإنتاجية القادرة على توليد وظائف جديدة.
نتيجة هذا الانحراف في أسواق العالم وسيطرة الشركات على الدولة والسوق، جعل العالم يعاني من أجل الخروج من أزمة مصرفية، وهي بين الانتعاش الأمريكي والمتاعب الأوروبية التي تحاول أن تحافظ على مشروع اليورو الذي يعزز قدرة أوروبا على التنافسية العالمية.
فسيطرة الشركات على الدولة يخدم أصحاب المصالح المكتسبة والخاصة، بما فيهم السياسيون الذين يحصلون على مميزات تفوق أقرانهم الذين يمثلون المجتمع في الانتخابات التي يخوضونها، مما يجبر الدولة على سن تشريعات تقلل من هيمنة أصحاب المصالح الخاصة على الشركات التي تولد العكس من هيمنة الشركات على الدولة.
كما يجب أن تسيطر الدولة على البنوك وتمنعها من تضخيم الأسواق المالية على حساب الأسواق المنتجة التي تمتلك من الخبرة والقدرة التي تختفي عادة بتضخم الأسواق المالية التي تجعل الشركات تتعامل مع مجموعة من الأرقام بما فيهم العاملون لديها كأرقام، إِذ يمكن أن تتخلص منهم متى ما أرادت، وهي المسؤولة عن تضخيم الأصول الخطرة أكثر من أي من البدائل المعروضة التي تسببت في انهيار الاقتصاد الكلي.