جاسر عبدالعزيز الجاسر
إضافة إلى ثقلها الاقتصادي الدولي، وحضورها اللافت في المحافل الدولية، أصبح للمملكة العربية السعودية وحضورها المؤثر في المحافل والمؤتمرات الدولية ركن ثابت في معظم اللقاءات الدولية، ليس فقط بوصفها دولة إقليمية محورية، بل لاعباً دولياً رئيسياً، يشارك دول القرار الدولي صياغة المواقف، ودراسة ما يمكن فعله لتثبيت الأمن والاستقرار الدولي.
أيضاً إضافة إلى الثقلين السياسي والاقتصادي الدوليَّيْن المؤثرَيْن، التفتت المراكز والمعاهد الاستراتيجية والأمنية إلى القوة العسكرية السعودية المؤثرة في المنطقة العربية والمناطق الإقليمية المجاورة في إفريقيا وآسيا، وهو ما أكدته «عاصفة الحزم»، والمشاركة الفعالة للقوات السعودية في المعارك التي يشهدها اليمن.
تنامي القوة الإيجابية الفاعلة للمملكة العربية السعودية في المفاصل السياسية والاقتصادية والأمنية في المحيط الدولي يحتاج إلى دعم ومساندة في مناشط أخرى، من أهمها الانتشار والتأثير الإعلامي والثقافي. وقد انتبه إلى هذه النقطة المؤثرة الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله -؛ إذ عزز وقوَّى الإعلام السعودي، خاصة الإعلام الخارجي؛ إذ امتلكت المملكة العربية السعودية وأقامت ودعمت المؤسسات الإعلامية، التي لم تقتصر على الاستفادة من الدعم المالي والمعنوي، بل تعزز ذلك برفدها بكوادر سعودية متميزة، أثبتت جدارتها في إدارة تلك المؤسسات التي أحدثت تغييراً ملموساً، حتى أصبح الإعلام السعودي يمتلك مدرسة وتأثيراً يوازيان الإعلامَين المصري واللبناني اللذين كانا يتصدران المشهد الإعلامي، خاصة على الساحة العربية.
هذا التطور الإيجابي على الصعيد الإعلامي اقترب كثيراً من التطور الاقتصادي والدولي، وبرزت قامات إعلامية سعودية بارزة، كالزميل الأستاذ عثمان العمير، الذي حقق نقلة كبيرة عند رئاسته للزميلة الشرق الأوسط، وقبلها مجلة المجلة. وكذلك الزميل الأستاذ عبد الرحمن الراشد الذي صنع (العربية)، ومن ثم أنشأ (الحدث)؛ لتشكلا نافذتَين إعلاميتَين مؤثرتَين.
تلك المرحلة بدأت تخفت وتتراجع.. ومع أن (العربية) استطاعت بجدارة أن تنافس (الجزيرة) - إن لم تتفوق عليها - التي تسيدت ولمدة طويلة المشهد الإعلامي في المنطقة، وحاولت الشرق الأوسط، ومعها الحياة، مواكبة التفوق الدولي والسياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية، إلا أن الوهج الإعلامي والتأثير الذي كان في بدايات أيام العمير والراشد قد تجمد في مكانه، إن لم يتراجع قليلاً؛ وذلك بسبب غياب الإعلام السعودي المؤثر، في ظل اعتماد الشللية بدلاً من الجدارة.. وقد رأينا الدفع بوجوه إعلامية، تمثل تياراً معيناً، وتغيب خبرات إعلامية سعودية متمكنة.
ومع أن الخبرات العربية لا بد من الاستفادة منها، وتوظيفها لدعم المواقف السعودية، إلا أننا لاحظنا أن تلك الخبرات تعمل للترويج للبلدان التي أتت منها، مع تغييب المصالح السعودية، بل إن تلك الخبرات التي تدير غرف الأخبار في المحطات التلفازية، وتصوغ الأخبار في الصحف، تحاول أن تمرر مواضيع ومشاهد تنتقص من المملكة، سواء بتتبُّع التجاوزات التي تشهدها المجتمعات العربية، أو غيرها. وفي الوقت نفسه تقلص بث ونشر ما تشهده المجتمعات التي جاؤوا منها. وهذا - للأسف الشديد - انتقل حتى إلى محطاتنا الفضائية المحلية التي نشرت في أسبوع واحد من باب التقليد، أو إظهار إدارتها الجديدة ليبراليتها، كشف المخالفات في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان والحريات، وغيرها من الاتهامات الظالمة الموجهة من جهات مغرضة معروفة بعدائها للمملكة.
الإعلام السعودي محلياً انكفأ على هجومه الداخلي، دون الاهتمام بالقضايا الدولية التي تدعم مواقف المملكة والإعلام الخارجي، الذي وإن أُنشئ وأُقيم بأموال سعودية إلا أنه يعمل على الترويج للمكان الذي يُبثُّ منه، وللبلدان التي أتى منها مَنْ يعدون ويقدمون المحتوى الإعلامي لتلك المؤسسات.