جاسر عبدالعزيز الجاسر
يصفون الدبلوماسية بأنها تنفيذ أعمال بعضها قذرة بقفزات ناعمة، ولكن الواقع والحقيقة وهي أن الدبلوماسية تحقق مصالح مشروعة للدول التابعة لها وبأساليب بعضها يراها غير مشروعة وهي هكذا دائماً، وفي بعض الأحيان تلجأ الأنظمة التي تديرها أحزاب وجماعات غير منضبطة إلى استغلال الصفة الدبلوماسية للقيام بأعمال غير مشروعة وليس من طبيعة عمل الدبلوماسي.
صحيح أن بعض الدبلوماسيين من مهامهم جمع المعلومات وإرسالها إلى بلدانهم لتحليلها للمساعدة في تحصين مصالحهم وبناء إستراتيجيات وخطط مبنية على نتائج تحليل تلك المعلومات، إلا أنه ليس مقبولاً ولا مشروعاً أن يتحول الدبلوماسي إلى منفذ أو إلى مخطط لعمليات ارهابية تدمر أمن واستقرار البلد الذي يعمل به.
جميع الدول تعلم أن بعض الدبلوماسيين مهمتهم جمع المعلومات وهم بالتالي جواسيس ولكنهم في ثياب دبلوماسية؛ وهو عمل مسكوت عليه طالما تم في سياقه العام.. أما أن يخرج إلى توجيه وتنظيم الأعمال غير الشرعية وتزويد العملاء بأدوات لتخريب الأمن فذلك ما لا يسكت عنه، ولذلك يتعدّ ذلك الدبلوماسي ويصبح شخصاً غير مرغوب فيه إذ أصبحت هذه الكلمة تعني أن ذلك الدبلوماسي جاسوس مخرب.
هذا العرض تقريباً معروف ويعلمه كل مع الشأن الدولي والسياسي، ويقابله تقدير واحترام وحماية الدبلوماسيين، فمن يحمل الصفة الدبلوماسية محصن باتفاقيات دولية والدولة التي يتواجد على أرضها مسؤولة مسؤولية تامة عن تأمين حمايته وتمكينه من عمله حتى وإن شكلت في تحركاته، في أن تجاوزه وقيامه بأعمال غير التي كفلتها الاتفاقيات لا تستطيع سوى الطلب منه مغادرة أراضيها، ذلك ما تقوم به الدولة وتسير عليه، ولذلك فإن كثيراً من الدول قامت بتوفير الحماية اللازمة، بل وشكلت فرقاً لأمن الدبلوماسيين والسفارات ومقرات البعثات الدبلوماسية وحتى منازلهم، وقامت بضربات استباقية لإفشال عمليات اغتيال السفراء والدبلوماسيين، ولعل العملية الاستباقية التي قامت بها الأجهزة الاستخبارية والعدلية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد القتلة المؤجورين الذين جندهم نظام ملالي إيران لاغتيال السفير السعودي في واشنطن الأستاذ عادل جبير، توضح الجهد الاستبخباري الذي أنجز في تلك العملية الاستباقية والتي أفشل المخطط الإيراني الإرهابي، ولكن إفشال مخطط إرهابي لنظام لا يلتزم بالمعاهدات والمواثيق ويدمن القيام بالأعمال غير الشرعية مجنداً الإرهابيين وعملاءه من الذين اخترقوا بهم المجتمعات العربية والإسلامية ولهم مهمة واحدة، وهي نشر الفوضى وتخريب أمن واستقرار تلك المجتمعات.. ولعل من أكثر المهام التي ينفذهم أولئك العملاء هو إرهاب وتخويف الدبلوماسيين، بهدف جعل ذلك البلد منعزلاً عن الأسرة الدولية وجعله دائرة مغلقة على أعوان ذلك النظام وإخفاء ما يقومون به من تجاوزات وهو ما قاموا به في سورية التي هجرتها البعثات الدبلوماسية وكذلك ما قاموا به في العراق حيث كانت المليشيات الطائفية تستهدف السفراء ومقرات البعثات الدبلوماسية مما قلص الوجود الدبلوماسي العربي الذي ترك المجال واسعاً ومفتوحاً للإيرانيين الذين أرسلوا إلى العراق، كما فعلوا في سوريا ويفعلون الآن في لبنان وعدد من الدول العربية إرهابيين في ثياب دبلوماسية.
وهؤلاء الإرهابيين الذين يتدثرون ببدل الدبلوماسية مسؤولون عن العديد من العمليات الإرهابية تخطيطاً وتحويلاً وحتى مشاركة، وهو ما أظهرته التحقيقات التي تمت في دولة الكويت بعد الكشف عن عملية العبدلي ودور الدبلوماسيين الإيرانيين، وقبل ذلك في المغرب والسودان والسنغال واليمن.. وقد لاحظ المتابعون للنشاط الإرهابي لنظام ملالي إيران أن معظم سفراء هذا النظام الذي يرسلون إلى الدول العربية كانوا قبل ذلك جنرالات في الحرس الثوري الإيراني الذراع الإرهابي للنظام وهو ما كان عليه سفيرهم في دولة الكويت والعراق وسوريا ولبنان.
مثل هؤلاء ماذا سيكون منتجهم غير التنشيط والتخطيط للعمليات الإرهابية والتي آخرها ما حذرت منه المخابرات البريطانية المعروف عنها دقة معلوماتها من وجود مخطط إرهابي أسند تنفيذه لفرقة متخصصة في تنفيذ عمليات الاغتيال السياسي في حزب حسن نصر الله الذي يحمل زوراً اسم (حزب الله).. وقد كلفت هذه الفرقة تحت إشراف نعيم قاسم نائب أمين عام الحزب باغتيال السفيرين السعودي والقطري في بيروت.
المعلومات الآن تحت تصرف الحكومة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية، والمملكة العربية السعودية ودولة قطر اللتين يُستهدف سفيراهما بهذه الأعمال الإرهابية، -طبعاً- لن يخضعا للإرهاب ويتركا الساحة لمزيد من فوضى التخريب الذي يمارسه نظام ملالي إيران وعملائهم في لبنان؛ إلا أن واجب لبنان الرسمي وحتى مؤسساته الدستورية أن يؤدوا واجبهم ولا يتركوا عملاء إيران يغلقوا عليهم لبنان الذي كانت نوافذه مشرعة للديمقراطية والتحضر والسلام.