عبدالحفيظ الشمري
زمن التكتلات والتكامل في أمور الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بات سمة العصر، وهو فرصة مهمة، وتجربة حقيقية في بناء الإنسان إذا ما كتب لها النجاح، وسيصير مع الوقت إلى قوة فاعلة وعلامة فارقة في بناء هذه المجتمعات بطريقة عصرية، فالتكامل هنا غالبا ما يبنى على الضرورات والاحتياجات لكل مجتمع، بل هو عامل رقي ونمو تحتاج إليه هذه الأمم، كما أن هذا التكامل والاندماج قد يكون حافزاً لبعض هذه المجتمعات من اجل اجتياز أزماتها، وبناء المزيد من طاقاتها، وترشيد مواردها على المستويين المعنوي والمادي.
وحينما نتأمل هذه المنظومات التفاعلية، والتكتلات التنموية، والمشاريع التكاملية لا شك أنه يستوقفنا جميعاً المشروع الإنساني لدول الخليج العربي الذي يبدو أنه مهيأ للاندماج والتكتل والتكامل أكثر من أي وقت مضى؛ لاسيما في ظل هذه الظروف والأزمات الراهنة التي تعصف بالعالم؛ ومنها ما قد تواجهه خطط التنمية والبناء من عثرات وتحديات ومصاعب.
وأهم هذه الرؤى هو «التكامل الاجتماعي الخليجي» الذي يعد هو الخطوة الأهم في بناء منظومات العمل الحضاري، فيسبقه في هذا البناء والتكوين النظام الاقتصادي المتوازن في دول الخليج، وقيام البنية التحتية، واكتمال المرافق بشكل متميز يسمح بانطلاق مشاريع إنسانية واجتماعية تحقق أهداف خطط التنمية التي تسن؛ ويتم إدراجها في كل عام، وهذا جهد نوعي لدولنا الخليجية التي باتت كعقد جميل في جيد الخليج العربي.
إلا أن هذه الجهود تحتاج - كما أسلفنا - إلى تكامل واندماج؛ وذلك من خلال تفعيل وتنفيذ الكثير من الاتفاقيات التي تدعم اكتمال المشروع الحضاري لمنطقة الخليج، لتكون علامة مميزة في الوطن العربي من حيث صياغة مفهوم إنساني يراعي كافة متطلبات العصر، وهذا أمر كما يبدو في متناول الجميع، وتحقيقه بين الأشقاء وارد وقابل للتطور والرقي، لأن هذه الدول قطعت شوطاً لا بأس به في مشاريع البناء والتطور.
وما يمكن أن نعقد عليه الآمال في تطوير منظومات التعاون والتكامل الاجتماعي والإنساني في دول الخليج العربي هو تفعيل «وثيقة مسقط لعام 2008م» في مجال التراث والثقافة والعلوم، فهي مشروع حضاري وإنساني متكامل تبنته قيادات الخليج، واقر في قمة أبو ظبي عام 2010م كمشروع إنساني وحضاري يعنى بحصر وتوثيق التراث، والتفاعل ثقافيا ومعرفيا مع كل مقومات العطاء الحضاري والإنساني في مجالات عدة، فكانت «وثيقة مسقط» إستراتيجية متكاملة تسعى إلى تحقيق أهداف المجتمع وتصوغ خطابه بشكل متكامل، ليحافظ على هويته الثقافية، ويضمن بقائها في ظل هذه التحولات الكبيرة.
فالتكامل الاجتماعي هو المطلب المهم في مثل هذه المشاريع والخطط والإستراتيجيات، حيث تعد الدول الخليجية من حيث الهوية والتكوين وطن واحد، وهوية واحدة، وامتداد جغرافي مناسب؛ يكفل لنا التكامل والاندماج الحضاري المفيد؛ وهذا ما ننشده، ويطالب به الجميع، ولنا في الاتحاد الأوربي وبعض دول آسيا، وكذلك أمريكا الجنوبية خير مثال، حيث تحقق هذه المشاريع التكاملية الكثير من الفوائد والإنجازات المثمرة، فمن باب أولى أن ينجح خليجنا العربي في تكامله وتكتله واندماجه الحضاري والإنساني.