عبدالحفيظ الشمري
هل كسبنا الرهان الإنساني على تجارة المعلوماتية الحديثة؟.. سؤال لا يزال يتردد، وينمو، ويتشابك، ويحمل الكثير من الإجابات المتناقضة.. فتجارب اقتصاديات المعلوماتية، وتطبيقات الهواتف الذكية، والاتصالات الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي لا تزال تروج لفكرة أنها الأكثر إيراداً وربحية من معظم الاقتصاديات بما فيها طاقة النفط عند بعض الدول والمجتمعات، فباتت معنية بكل ما له علاقة بوسائل الاتصال الحديث التي تعنى بالمعلوماتية وأوعيتها وتطبيقاتها.
فالحملات الترويجية لمثل هذه المنتجات لا شك أنها متميز، وقد تحظى بالمزيد من المتابعة، وبات الإقبال على مثل هذه السلع والمنتجات التقنية الحديثة كثيفاً وأرقام المبيعات فيها فلكياً.. فلم يتوقع أحد نتائجها المذهلة، حتى لدى من قام بمثل هذه الخطط الترويجية، أو حتى من مصنعيها الذين لم يتوقعوا هذا الزخم الهائل من الإقبال على طلب مثل هذه السلع والمنتجات.
ففي منعطفات وتحولات هذا الإقبال المفرط على منتجات التقنية، والاستهلاك المبالغ فيه؛ جعل الأمر مقلقاً للمراقب والباحث الحيادي؛ فبدأ لهم أن هذه الوسائل والوسائط والتقنيات قد أصبحت كالهواء والغذاء والماء لدى كثير من الناس، بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم، وتكوين حياتهم ومجتمعاتهم، وقد تسبب هذا الانهماك بمشاكل اقتصادية، واستنزف الكثير من المدخرات.
وما يزيد الأمر غرابة ودهشة لدى المتأملين للمشهد الاقتصادي الحالي أن كل الدول تدور فيها هذه الهجمة الاستهلاكية الشرسة، حتى وإن كانت فقيرة معدمة.. لتجد هذه المجتمعات تطارد خلف سراب الحياة الجديدة، وما تتركه إفرازات التكنولوجيا من قشور الاستهلاك في عالم الاتصالات.
حتى أن إكسسوارات هذه الأجهزة ومتعلقاتها البسيطة والثانوية باتت تجارة مربحة؛ تدر الكثير من المال، فضلاً عن وجود الصناعة الأساسية لمثل هذه الأجهزة، مما يعزز أن هذه الشركات العملاقة هي التي تمسك بمفاصل التصنيع التقني في المجال الإليكتروني وتطبيقاته، فلم تترك هذه الدول المصنعة للدول الأخرى أي مجال للمشاركة في التصنيع والإنتاج، إنما قترت هذه الإمبراطوريات الهائلة على دول الهامش، لتجعلها مستهلكة بشراهة؛ بسبب الترويج الهائل لمثل هذه المنتجات.
فكلنا نتذكر انتظار خروج آخر موديلات الهواتف الذكية في غضون أشهر من كل عام حينما تصطف طوابير كبيرة من الشباب -وبشكل عجيب- ليحمل هؤلاء في جيوبهم المال الذي تحصل عليه بشق الأنفس، من أجل الظفر بجهاز جديد، ليعكس هذا الاحتشاد الولع المبالغ فيه، حيث جعلتهم آلة الترويج منجذبين إلى هذه الصناعات كمستهلكين نهمين لها، بلا ترشيد أو معرفة.
وحينما نتأمل معاً حال هذه الشركات والمنظومات التجارية العملاقة لمثل هذه الأجهزة تجد أنها لا تقيم وزناً لأي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية؛ أي أنها ورغم هذه الأرباح الطائلة لا تسهم إلا بالقليل من أجل تمويل بعض المشاريع الإنسانية والخدمات الاجتماعية، بل إنها حينما تعطي فرصة للمتاجرة، فإنه ينحصر -للأسف- في مجال التسويق لبعض الإكسسوارات والصيانة المحدودة.
فما دام الأمر على هذا الحال من التغول والهيمنة في بناء منظومات التجارة في مجال المعلوماتية والتقنيات ووسائل الاتصال الحديثة، وحينما تأتي الإجابة واضحة على هذا السؤال في المبتدأ حول رهاننا الإنساني على تجارة المعلوماتية، فإن الأمر يتطلب حث هؤلاء واستدراجهم إلى أعمال إنسانية تسهم في تنمية الكثير من المشاريع الاجتماعية التي يحتاجها الإنسان المعاصر، لعلنا نكسب بعض رهاننا الإنساني على التقنيات الحديثة.