د. محمد عبدالله الخازم
نطالع في صحافتنا بشكل مستمر نشر الأخبار العلمية والاكتشافات البحثية، وبعضها يأتي من وكالات أجنبية، وبضعها يأتي ترويجاً لإبداعات الباحثين والمبدعين السعوديين في مراكز البحث العلمي والجامعات والجهات ذات العلاقة. من ناحية المبدأ، لا إشكالية في ذلك، بل هي إحدى مهام الصحافة، سواء الخبرية أو التثقيفية أو الإعلامية، لكن المشكلة تكمن في مصداقية ودقة ومضمون تلك الأخبار؛ إذ تفتقر صحافتنا إلى وجود المحرر العلمي المتمكن من فرز تلك الأخبار، والتأكد من صحتها وطريقة صياغتها.
أبرز مصادر تلك الأخبار هو ترويج الأشخاص والدعاية لأنفسهم، وأحياناً المؤسسات والجامعات التي تعتقد أن ذلك يروج لسمعتها، ويحسّن صورتها أمام المجتمع والمسؤولين، وتمرير ذلك عن طريق علاقاتهم بالصحف والمراسلين. ولأن الصحف لا يوجد لديها المحرر العلمي تنشر تلك الأخبار على أنها مصدقة. مثال ذلك ما نجده يُنشر على أن الباحث/ الدكتور/ المبتعث الفلاني اكتشف اختراعاً أو دواءً، أو تم اختياره للمشاركة في مؤتمر عالمي، أو قام بإجراء عملية نادرة.. وفي النهاية نكتشف أن الموضوع مجرد تهويل وتبجيل لعمل أو مهمة علمية بسيطة، يوهمنا صاحبها وأصدقاؤه الصحفيون بأنه إنجاز فريد من نوعه، بينما هو عمل روتيني، لا يختلف عن مئات أو آلاف المشاركات والنجاحات التي تتحقق في مجاله. يُضاف إليها الأخبار التي مصدرها وكالات أجنبية، ويتم ترجمتها وعنونتها بشكل غير دقيق. السؤال هو: طالما نحن نعترف بضعف الصحف في هذا الشأن، ما هي الجهات التي يُفترض أن يكون لها دور، أو يمكن أن يكون لها دور في هذا الشأن؟
أولاً: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بصفتها الجهة العلمية الأولى المعنية بالبحث العلمي والاختراع ونشر الثقافة العلمية باللغة العربية. لا يبدو لي أن المدينة نجحت في مشروعها لنشر الثقافة العلمية على المستوى العام طالما هي صامتة، وليس لها رؤية في نشر الأخبار العلمية المغلوطة. ربما أقترح على المدينة تأسيس وحدة معنية بمراجعة الأخبار العلمية والتعليق على صحتها. ويكون من الأفضل لو أصبحت تلك الوحدة مصدر ثقة وسائل الإعلام؛ لتستشيرها في أخبارها العلمية قبل نشرها، أو أن تبادر من ذاتها بترجمة الأخبار العلمية وتوزيعها على الصحف. المدينة العلمية تدعي الاهتمام بنشر الثقافة العلمية، وربما هي أولوية البحث عن آلية أو حتى وضع تنظيم يتعلق بالنشر العلمي في وسائل الإعلام!
ثانياً: الجمعيات العلمية، باعتبارها مؤسسات مجتمع مدني، يقع عليها مسؤولية أدبية وعلمية؛ إذ يُفترض أن تبادر بمتابعة ما يُنشر في مجالها، والتصدي لتصحيحه. لقد فعلت جمعية الطب النفسي ذلك مرة واحدة في إصدار بيان يتعلق بجهاز يتم الترويج له في العلاج النفسي. فلو تصدت كل جمعية لتصحيح ما يُنشر مغلوطاً في مجالها لحققنا الكثير.
ثالثاً: عن طريق الأكاديميين والمتخصصين. وقد رأينا كيف تمكَّن متخصص واحد في إثارة قضية الجهاز الذي اضطرت جمعية الطب النفسي ووزارة الصحة وهيئة الغذاء للتدخل لقول رأيهم فيه.
رابعاً: عن طريق المؤسسات الأكاديمية، التي يجب أن لا تبالغ في الترويج لمنجزاتها وأفرادها على حساب الحقائق العلمية، بل عليها متابعة وتحمُّل ما ينشره أعضاؤها بشكل مباشر، ومراجعة أقسامهم العلمية في صحته. يجب أن تؤسس كل جامعة مكتباً/ وحدة للنشر العلمي الإعلامي/ الصحفي، ينسق مع الأقسام الأكاديمية، ويحاسب أعضاء المؤسسة الذين يتجاوزون تلك الوحدة في نشر أخبارهم الفردية العلمية.
وسائل الإعلام لديها قاعدة الوقت في نشر الخبر سريعاً؛ ويهمها وجود مصدر تعتمد عليه. وفي ظل غياب مرجعية علمية موثوقة فإنها مضطرة لقبول الخبر ونشره كما هو. فهل من جهة تبادر لتنظيم هذا الأمر...؟