رقية الهويريني
لا شك أنّ إهمال أي عطب بسيط يزيده دماراً، وأي جرح صغير يتعرّض للتلوث والإهمال يتحول لجرح غائر، وقد يتطلب عملية جراحية أو بتراً للعضو المصاب. والمشاهد أنّ معظم الأُسر السعودية لديهم لامبالاة وتقصير شديد في متابعة أبنائهم داخل المنزل وخارجه! وأقرب مثال على ذلك انتشار فكرة الاعتماد على المدرس الخصوصي، الذي يرمون عليه عبء مراجعة الدروس اليومية المعتادة، بدعوى أنه ليس لديهم الوقت أو البال لتدريس طفل في بداية المرحلة الابتدائية! وقد يستعينون بالمعلم على معرفة جوانب شخصية الطفل ليتحمل بعدها مهمة تربيته على أبجديات الحياة!
وعند الاطمئنان الوهمي على مستوى التلميذ الدراسي وتوجيهات المعلم الخصوصي، يتركون الطفل يتسلّى مع الأجهزة الإلكترونية وقتاً طويلاً، حتى لا يزعجهم بأسئلته الفضولية أو طلباته المتكررة بمشاركته اللعب بسبب حالة الملل والضجر التي يعيشها! ويزداد الأمر سوءاً ببقاء الطفل مع تلك الأجهزة دون متابعة لما يشاهده حتى لو كانت ألعاباً! وقد يغفل الأبوان أو لا يكترثان بذلك، وربما لا يدركان أنّ المجرمين يتربصون بأطفالهم من خلال ما يهوونه وينجذبون إليه، فتكون حينئذ استمالتهم سهلة جداً، وهناك أساليب جاذبة للطفل يجيدها المختص، فيبدأ عن طريقها بالتحكم والإيعاز له بما يريده. والإهمال لا يتوقف عند الطفل، بل حتى المراهق والشاب وبعض النساء ممن يتلقون توجيهات أولئك المجرمين، من خلال الأجهزة الإلكترونية وقنوات التواصل المتنوعة. ومن الأمثلة الواقعية ذلك، المراهق الذي قتل خاله العسكري بإيعاز من المنظمات الإرهابية، الذين يستهدفون العسكر، برغم أنّ الفطرة السليمة التي تسكن الإنسان تحول دون القيام بهذا العمل البشع، ولن يتخلى عن هذه الإنسانية إلا بضغط خارجي واستسلام فكري لها. والشاب الذي قتل ابن عمه العسكري أيضاً كان بتوجيه مباشر من تلك المنظمات الإرهابية، بدليل أنه أهدى هذه الفعلة الشنيعة لقائد منظمة داعش، دون مشاعر إنسانية أو تقدير لرابط القرابة. وكذلك المرأة التي حاولت قتل زوجها العسكري كان بنفس الدوافع والأسباب، وهي لم تسافر لمواقع القتال ولكن بإيعاز إلكتروني مباشر. وكل هؤلاء رضخوا للتأثير الخارجي بسبب الإهمال الأُسري أولاً، ومن ثم ضعف الشخصية وسرعة الاستجابة أو البحث عن عمل يستطيعون من خلاله الإثبات لأنفسهم مقدرتهم على فعل شيء يخلدهم، بدليل تصوير الحوادث ونشرها عبر قنوات التواصل، وليس لذلك علاقة بالجنة أو النار، لأنّ من قرأ القرآن يدرك أنّ من قتل نفساً فهو بالنار خالداً مخلداً فيها، وكل هؤلاء قرأوا القرآن دراسة وحفظاً وتسميعاً على مدى 12 سنة دراسية ولا يجهلون الحكم. بينما تجهل أُسرهم نتائج الإهمال.