عبد الله باخشوين
يقال: إنه في إحدى اجتماعات تحرير إحدى الصحف.. تحدث أحدهم عن فكرة ((البديل)) التى انتجها صدام حسين بإيجاد ((بدلاء)) له.. يومها أعجب رئيس التحرير بفكرة ((البديل)) وسجلها أمامه.. متجاهلاً استغراب أحدهم.. لأمر شائع جداً.. حيث بدا لرئيس التحرير كأنه يعرفه لأول مرة.
و((البدلاء)) عادة - يراد لهم أن يكونوا كغطاء يحجب الشخصية الحقيقية تماماً كالبيت الشهير لأبي نواس:
- إذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
وحجب الشخصية الحقيقية أحياناً يكون لخيرها ومصلحتها، وأحياناً يأتي كنوع من التضليل لها.. بهدف طمأنتها وإشعارها بأنها بعيدة عن المدى الذي يراد الذهاب إليه.
ولعبة ((البدلاء)) شهيرة جداً لا أدري ((توأم)) لشخص لا ((توأم)) له.. ففي خلق الله للتوائم تطغى سمات التشابه.. في نظر الآخرين.. الذين يركزون على الجوانب الظاهرة للعيان.. فيتم تضليلهم لأنفسهم، بينما في حقيقة خلق الله تعرف الأم والأب سمات الاختلاف بسهولة شديدة.
وفي كل خلق الله وإعجازه لايوجد في كل ما خلق من بشر وثمر وحيوان اثنان متطابقان تماماً.
قال لي أحد الآباء:
- سوف أحاول تقريب الأمر لك - رغم انك لن تفهم ولن تميز - وكان يقف أمامنا أبنية التوأم وهما دون سن الثالثة. قال:
- انظر إلى عينيهما. قلت:
- لا فرق. قال:
- لكنى أرى فروقا كثيرة وليس فرقاً واحداً.. انظر.. ونادى الأول، فاستجاب ونادى الثانى..وقال: هل لحظت الفرق في استجابتهما للنداء. قلت: لا.
ومضى.. يرصد الفروق ويحددها لي.. لكنى لم أفهم. صحيح اني أب وأني أفهم أبنائي على اختلاف أمزجتهم.. لكنهم مختلفون وبينهم فوارق في العمر والسمات والملامح لكل سماته الخاصة جداً.
وخلصنا الى ان نقاط الفرق بين ((التوأم)) هي خصائص سهلة التمييز لأبويهما ولأخواتهم ايضاً.
من هنا جاءت أهمية ايجاد ((بديل)) لمن لا توأم له.. وأن يكون من خلال الأجهزة الأمنية وبوسائل طبية.. لأنهم يدرسون الطول واللون والملامح حتى قبل إجراء عمليات جراحية لإكمال التطابق وقبل أن يتم تلقين الأسلوب والحركة وطريقة الكلام ومحاكاة نبرة الصوت.
ومن أشهر زعماء العالم الذين كان لهم بدلاء ويحضرون عنهم بعض المناسبات.. هتلر.. وستالين - في حين كان يعمد زعيم مثل ((ماوتس تونغ)) إلى اسلوب آخر يغني عن الاستنكار.. فحين كان مطلوباً مقابل مبلغ كبير من المال. كان يخرج من مقر اقامته ليتحدث مع حراسه وكان يطلب منهم أحياناً الدخول لخيمته للاستراحة لأنه يريد ان يكون وحيداً في الهواء الطلق.. مع وعد بأن لا يشي بهم لدى رؤسائهم الذين كلفوهم بنوبة الحراسة.. وكان يفي بوعده.
السينما الأمريكية عالجت هذا الموضوع باهتمام شديد.. خاصة في أفلام نتاج الخمسينيات ومطلع الستينيات.. وخلصت إلى حقيقة انه يمكن عبر تقنيات الطب تعديل وتطوير الملامح.. او إبقائها على ما هي عليه ((شباب في شباب)) لكنها كشفت عن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها وهي الأيدي.. حيث إنك لا يمكن ان تغير بصمة الزمن على اليد والخطوط التي تحفر عليها. وترك بصمة فارقة تكون وحدها التي تكشف ما حاولت ان تخفيه بتجديد ملامح وجهك.. وفي هذا الاطار هناك أفلام كثيرة تطرح فكرة إخفاء وتجديد الملامح وبعض منها كان الهدف منه إخفاء وتجديد الملامح وبعض منها كان الهدف منه إخفاء الجرائم.. او حتى الإيحاء بعدم الاشتراك فيها.. هذا طبعاً قبل أن يتطور العلم الجنائي وتصبح وسائل وأدوات كشف الجرائم أسهل من ذلك بكثير.
لكن في مرحلة ما من استخدام ((البدلاء)) كان لزعيم ما أن يحضر اجتماعين أو أن يكون في مكانين في وقت واحد وذلك من خلال تضليل أجهزة الأمن لوسائل الإعلام والأعداء المحتملين.
هذا الاسلوب تطور وبلغ مداه.. مع تطور التقنية الحديثة ووسائل الاتصال.. التي ماتزال تدرس بعض القضايا الغامضة التي حدثت في عصور مضت باستثمار ما لديها من أجهزة.
وعلى سبيل المثال.. مازال مقتل الرئيس جون كينيدى لغزاً لم يحل رغم كل ماقيل ويقال عنه في افلام السينما ووسائل الإعلام.. وماتزال شخصية مثل ((راسبوتين)) غامضة رغم مرور اكثر من مئتي عام على محاولة كشف سرها.
مازال موت وانتحار مارلين مورنوا غامضاً.. مازال موت غيفارا غامضاً.. ومازال أنصار عرفات الذي مات وهو قد تجاوز الثمانين يصرون على انه مات مسموماً.
ومازال امر ((البدلاء)) يتحرك ويحاول ان يحرك مصائر اشخاص لا يوجد توأم لهم يغطون او يحلون الغموض الذى يلتبس حول مصائرهم.
ففى اليمن الجنوبى مثلاً.. مازال مقتل عبدالفتاح اسماعيل يثير التساؤلات والوساوس والشكوك.. ومازال بعضهم لا يثقون بحقيقة موت اسامة بن لادن.. ومازال بعضهم لا يثقون بأن الظواهري حي يرزق. أو أن مقتل بشير الجميل رئيس الجمهورية اللبنانية الذي جاء بإسرائيل لتل الزعتر وقتل قبل ان يتولى مقاليد منصبه يفسر على أنه من صنع أعداء حزب الكتائب.
كلها أسئلة لا جواب قاطع لها.. لكن ((البدلاء)).. يظل من الأمور التي لايوجد من يهتم لها حقيقة.. على اعتبار أن الامر كله يدخل ضمن تقنية ((التخفي)).
ولا وجود لها على ارض الواقع.. او انه يبدو كنوع من عدم الاهتمام بالشخص الذى يلجأ اليها.. حتى وان كان شخصية اعتبارية معروفة.