د. فوزية البكر
كيف حدث أن تكون أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أكثر شفقة ورفقا بالمهاجرين السوريين المسلمين فتفتح لهم أحضان بلدها الجميل والقوي اقتصاديا ليمنح فرصة الحياة لأكثر من 800 ألف لاجئ سوري شردتهم حرب سوريا الطويلة التي لا نرى أثرا لنهايتها حتى بعد أكثر من أربع سنوات قاسية ومدمرة لكل الأطراف.
لم تبق الحرب السورية الآثمة على أرض ولا بشر ولا تراث ولا غرابة فإذا كانت القيادة بلا أخلاق أو روح وطنية فسيكون الضياع هو النتيجة كما نرى عبر دمار شعب بكامله تم تشريده في أصقاع الأرض من أجل البقاء في الكرسي بأي ثمن وهاهم السوريون يركبون الأهوال نساء ورجالا كبارا وصغارا عبر رحلة مرعبة تبدأ من بلادهم إلى تركيا ثم عبر المدينة الساحلية الباذخة بودروم حيث يستقلون القوارب الصغيرة التي قد تقذفهم إلى الموت في أية لحظة إما بسبب العدد الكبير الذي يفوق عادة حجم القارب الصغير أو لثقل أحجام بعض حقائب الظهر الصغيرة التي يضعون فيها ما خف حمله من بقايا ما ضاع من ممتلكاتهم أو من رحلة الثمانية والعشرين كيلو مترا التي قد تستغرق فقط 45 دقيقة أو قد تصل إلى أيام حسب حظوظهم في الوصول إلى اليونان معبرهم إلى أوروبا وفي هذه الرحلة يموت منهم من يموت ويحيا من يحيا ليصلوا إلى منطقة الصراع الأولي في الدخول إلى أول الموانئ الأوروبية. كل ذلك على أمل أن يصلوا لاحقا إلى أرض الأمان والرعاية الصحية والتعليمية المجانية و العمل كألمانيا مثلا أو حتى بريطانيا رغم صغر العدد الذي قبلت به أو فرنسا التي وافقت أخيرا على قبول خمسة وعشرين ألف مهجر فيما بقي مئات الآلاف ممن لا زالوا يحاولون الوصول إلى ألمانيا عبر المجر ثم النمسا مشيا على الأقدام ثم هم وحظوظهم فإما أن يجدوا بعض المتعاطفين يحملون المساعدات المادية من طعام ولباس ومأوى وإما أن يجدوا المظاهرات العنصرية التي تندد بهم وتطالبهم بالعودة من حيث أتوا كما حدث في المجر التي تعتبر من أسوأ البلدان الأوروبية في رعاية المهاجرين كما شهدنا خلال الأيام الماضية.
قضية المهاجرين السوريين وغيرهم من الليبيين أو التشاديين أو الأثيوبيين الخ من سكان الأمم التي أرهقتها الحروب الأهلية والفساد السياسي تثير سلسلة من المشكلات القيمية واللوجستية لم يتوقف الإعلام العالمي عن إثارتها طوال الأسابيع الماضية وهي تواجه أمم الأرض كلها دون استثناء فهناك بلدان لم تعد قادرة على أن تحتضن أكثر مما فعلت كما هو الحال في لبنان الذي نزح إليه ما يقرب من مليون ومائة ألف رغم مشكلاته وبنيته التحتية الخدماتية الضعيفة وليس الأمر بأحسن من ذلك في الأردن الذي استقبل ما يقارب من هذا العدد والحال نفسه مع الدولة الأكثر قدرة: تركيا( رغم مشكلاتها ) إلا أن عدد المهجرين السوريين فيها وصل إلى مليوني نسمة!
السؤال الآن: هل يقوم العالم بتقسيم الشعب السوري على أمم الأرض حتى يتم تفرغ (سوريا الأرض) مثلا من سكانها أم أن الأجدر هو طرد بشار الأسد الذي يعرف أن لا مستقبل له في البقاء كرئيس لشعب كريم ومكافح وصبور مثل الشعب السوري إذ من يصبر على كل القوانين الحديدية التي كان يفرضها على شعبه من منع استيراد أية سلع أجنبية والاكتفاء بما في الداخل من طعام وشراب وملبس وخدمات ومنع الإنترنت ونشر سياسة الرعب والمخابرات وتأصيل الفساد السياسي والمالي بين اتباعه لضمان ولائهم ، كل ذلك تحمله هذا الشعب العظيم ولم يكتف هذا الطاغية ( الضعيف ) بذلك بل قبل طواعية ومقابل الكرسي أن يدمر مدنا وآثارا تاريخية واقتصادا وأجيالا كاملة لم تتعلم أو تعش كما يعيش البشر ضمن شروط حضارتنا البشرية الحالية.
سؤالنا هذا بقي بدون إجابة وهو ما أتاح للطاغية أن يعيش أكثر من خلال استثمار صراعات الدول الكبرى التي لم تقرر حتى الآن إنهاء دوره.
الآن من هي الدول التي يجب أن تحتضن هؤلاء المشردين حتى يقضي الله أمره في مصير بلدهم ؟ كيف حدث أن ظهر الحبر الأعظم مناشدا كل سكان أوروبا أن يحتضنوا لاجئين سوريين في بيوتهم وجامعاتهم؟؟؟
السعودية لم تقصر في تقديم التسهيلات للآلاف من المهجرين السوريين الذين دخلوا الأراضي السعودية منذ بدء الأزمة ويمكن لنا كمواطنين ملاحظة وجودهم الكثيف بين ظهرانينا في الأسواق والمجمعات والمؤسسات التعليمية خاصة في الفترة الأخيرة بما لا يبرر الهجوم الشرس الذي تتعرض له بلادنا بحجة عدم استقبالها للمهجرين رغم أنها تحتل البلد رقم 7 عالميا في حجم المساعدات التي قدمتها إلى سوريا لأسباب مختلفة فضلاً عن اليمنيين الذين صححت أوضاعهم ويزيد عددهم عن مليون نسمة ويقيمون بالمملكة بسبب الحرب.
السؤال الذي يقلق الجميع بلا شك خليجيين أو أوربيين هو سؤال أمني بالدرجة الأولى وهو الآتي: كيف نضمن صدق مئات الآلاف من المهجرين؟ بمعنى ألا يمكن أن يكون بينهم إرهابيون ومتسللون قد يقوضون الأمن خاصة في بلادنا التي تحارب علانية الدولة الإسلامية كما تحارب الأسد؟
بالطبع النظام المقيد الشديد لإعطاء أية فيز وعدم وجود نظام فيز سياحية وعدم وجود نظام هجرة أساسا في المملكة التي لم توقع على أية اتفاقيات دولية بشأن المهجرين عقد مسألة التعامل مع هذه المشكلة المتشعبة أساسا وجعل من السهل رمينا بالحجارة مقابل ( شفقة ) و(إنسانية ) الأمم الأخرى ( غير المسلمة ).
النقاشات ( القيمية ) والحسابات الاقتصادية في قضية المهاجرين لا تنتهي لكن ألمانيا ( العظيمة ) بلا شك تثبت مرة بعد مرة أنها الأكثر ذكاء للتعامل مع هذه الأزمة بحرفية بعيدة المدى فشعبها يكبر سنا عاما بعد عام وهي بحاجة إلى عمالة شابة متعلمة وذكية ولديها الاستعداد للحياة بعد ما شاهدته من أهوال هناك أفضل من الهاربين من أهوال الحرب ويكفي أن نتذكر مثلا أن رجلا سوريا مشردا قبل عقود قليلة منح حق الإقامة في الولايات المتحدة فأنجب للعالم ستيف جوب العظيم!
لكن الأسئلة الأخرى ستظل على الطاولة : هل سيتمكن هؤلاء المهاجرين فعلا من الاندماج في الحياة الأوروبية بكل اشتراطاتها الحضارية أم سيشكل بعضهم شوكة في خاصرة القارة العجوز كما حدث مع الإسلاميين الإرهابيين الذين فجروا قطارات لندن وقتلوا الصحافيين الفرنسيين وغيرها وغيرها.
هل سيتم فعلا إدماجهم والتعامل معهم كجزء من شعوب أوروبا أم سيظلون معزولين في أحيائهم وضمن دائرة الفقر التي فروا منها ؟
أسئلة كبيرة بحجم مشكلة سوريا وبحجم كل ما كتب عن الطفل الغريق الذي أتصور أن مشهده غريق أثر على (صنع) بعض هذه القرارات الإنسانية لكن لا أحد منا سعيد بأن يرى سوريا تفرغ من شعبها وآثارها وربما إلى تقسيم قريب؟؟