د. عبدالواحد الحميد
شركات صناعة الأدوية تصرف مليارات الدولارات في إجراء الأبحاث لإنتاج وتطوير أدوية جديدة، لكنها تكسب أضعاف ما تصرفه على الأبحاث. وتُعتبر أسعار الأدوية لبعض الأمراض المستعصية من أعلى الأسعار، وهي أدوية لا غنى عنها في كثير من الأحيان.
وغالباً ما تتذرّع هذه الشركات وتدافع عن ارتفاع الأسعار بأنّ تكاليف تطوير الأدوية الجديدة باهظة جداً، وأنّ أي تنظيمات وإجراءات حكومية لتخفيض الأسعار، سوف تجعل الشركات تُحجم عن إجراء الأبحاث المكلفة التي تؤدي إلى ابتكار أدوية جديدة. لكن هذا نصف الحقيقة.
ومن المدهش أننا حين نشتري بعض الأدوية من الصيدليات التجارية في الولايات المتحدة، نجد أنّ أسعارها أغلى بكثير من الأسعار عندنا في المملكة، بالرغم من أنّ الولايات المتحدة من أهم الدول المنتجة للأدوية. وسبب ذلك هو الاحتكار والقيود والاستغلال الذي تمارسه الشركات، وهو ما أسمته المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون بـ «الأمر الفاحش» في تغريدة سلّطت الأضواء على ممارسات شركات الأدوية.
ولكن، ما أهمية ذلك لنا؟
ربما يبدو الأمر مجرد قضية أمريكية محلية، لكن في الواقع أنّ الجدل الذي يدور في أمريكا هذه الأيام حول شركات الأدوية مهم بالنسبة لنا، لأنه يكشف مرة أخرى أنّ الشركات، في غياب التنظيم الملائم، سوف تستغل المستهلك حتى عندما يتعلق الأمر بسلع كالأدوية التي يحتاجها المرضى وبخاصة المسنون والأطفال وذوو الاحتياجات الخاصة والناس المصابون بالأمراض المستعصية المزمنة، وهو أمر يتنافى مع الأخلاق والقيم الإنسانية.
فعلى سبيل المثال، تبيَّن أنّ الشخص الذي تبادل التغريدات مع هيلاري كلينتون، وهو مدير إحدى شركات الأدوية، قد استغل بصورة سيئة حرية تحديد الأسعار في الولايات المتحدة مستفيداً من قوّته الاحتكارية حيث قامت شركته، وفقاً لتقرير إعلامي، برفع سعر أحد الأدوية من 13.5 دولاراً إلى 750 دولاراً بعد شراء شركته للمُنتَج من شركة أخرى صغيرة مُصَنِّعة للأدوية مقابل 55 مليون دولار فقط!!
كما أنّ الاحتكار وفلتان سوق الأدوية هو الذي جعل أسعار الأدوية في الولايات المتحدة أعلى من مثيلتها في أوروبا بما يتجاوز أحياناً 40 بالمائة. بل إنّ التقرير ذكر بأنّ «تكلفة علاج السرطان جليفيك من «نوفارتيس» تبلغ 106.322 دولاراً في السنة في الولايات المتحدة لكنها تبلغ فقط 31.867 دولاراً في المملكة المتحدة».
ومرة أخرى؛ ما أهمية ذلك بالنسبة لنا؟
يجب ألا نتوقع من شركات الأدوية أو من وكلاء تلك الشركات أن يتعاملوا معنا كمستهلكين بمنطق آخر غير منطق الربح. فبعض وكلاء شركات الأدوية عندنا يبيعون لنا بعض الأدوية التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء، ويحتفظون بالأدوية الجديدة في مخازنهم حتى يتم تصريف القديمة! وبعض الوكلاء يحجمون عن استيراد أدوية معينة ويحرمون منها المرضى بسبب خلافات تجارية مع الشركات المصنّعة. وبعض الوكلاء يبيعون الأدوية التي لا يوجد بديل لها بأسعار مرتفعة جداً. هذا هو ما أسمته هيلاري كلينتون بـ «الأمر الفاحش»، وهو فعلاً فاحش سواء حدث في أمريكا أو عندنا أو في أي مكان آخر، ولابد من التصدي له بالتقنين العادل الذي ينصف التاجر والمستهلك.