يوسف المحيميد
رغم النهضة الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة على مدى أكثر من نصف قرن، ورغم التطور العمراني الذي تشهده هذه البلاد، ورغم مرور أكثر من خمسين عاماً على إنشاء جامعة الملك سعود، ورغم تطور الحركة التشكيلية والفوتوغرافية في المملكة، سواء على مستوى الجزيرة العربية، أو على المستوى العربي، ورغم تميز الفنانين التشكيليين السعوديين الذين وصلت أعمالهم إلى العالم، أقول رغم كل ذلك وأكثر مما لم أذكره في مجالات النحت، والجرافيك، والتصوير، والتصميم الداخلي، وغيرها من الفنون المختلفة، لا توجد لدينا كليات مختصة بالفنون الجميلة، ولا حتى (القبيحة) بصفة أن كشف القبح هو نوع من جمال الفنون وتفردها!
فمنذ عام 1966 حيث أنشئت كلية التربية بجامعة الملك سعود، ومنذ عام 1977 حين أنشئ قسم التربية الفنية داخل كلية التربية، ومنذ إقامة أول معرض تشكيلي شخصي للفنان الراحل عبدالحليم رضوي عام 1964، أي قبل إنشاء الكلية نفسها بعامين، وقبل إطلاق قسم التربية الفنية بثلاثة عشر عاماً، وكأنما الإبداع في الفن هو الذي يقود إلى التأسيس الأكاديمي له، وليس العكس، ورغم مرور ما يقارب أربعين عاماً على الاعتراف الرسمي بالفن التشكيلي، لم نتقدم خطوة أكثر عمقاً، لنطلق كلية مختصة بالفنون الجميلة، أسوة بالدول العربية، وبدول العالم أجمع!
وإذا كنا نؤمن بأن الفن مهم، وأنه من العبث القول بأن لا أحد بحاجة للفن، وكما خاطب كمبرلي باين، الفنان التشكيلي بقوله: «موهبتك اختارتك لسبب، كي تقوم بهذا العمل. الفنانون بمثابة رجال إطفاء معاكسين، ولكن للروح الإنسانية. نحن هنا لنعيد النار، ونستمر بإيقادها مهما كلفنا ذلك من خسارات. إنك لا تبيع لوحة لأحدهم فحسب، بل تمنحه دعوة لمعرفة روحه من جديد، ولا تبيع له روحك، بل تبيع له الدليل على وجود المطلق». فإن هذه المقولة تعبر عن أن الفنان كالطبيب، وكالفيزيائي، يأتي إليه المتلقي حاملاً خيباته وهزائمه، وهو بحاجة إلى من يعيد إليه توازنه وطموحه، فيفعل ذلك بأن يشرع له باب اللوحة، ويفتح له دهاليزها!
ويمكن القول بأننا نتفهم أن قطاعا كبيرا من المجتمع يعتقد، وقد يجزم، بهامشية الفن التشكيلي، والنحت، والجرافيك، والتصميم وغيرها، ويرى بأنها لا تحمل أي أهمية للبشر، ولكن ما لا نتفهمه الإهمال الرسمي من قبل الجهات التعليمية، وتجاهل هذه الفنون العظيمة، إذ لم تجروء إحدى جامعاتنا الضخمة، بما تحمله من إمكانات وقدرات وكوادر بشرية، لتؤسس كلية مختصة للفنون الجميلة، لا تنتج فقط مختصين بهذه الفنون، ومبدعين فيها، وإنما تؤثر في المجتمع عبر مخرجاتها من جهة، وعبر تبنيها هذه الفنون الجميلة وإشاعتها في مجتمع تكاد تجف فيه عروق الفن والجمال لولا مجموعة من المجانين يؤمنون بهذه الفنون، ويتمسكون بها!