د. عبدالواحد الحميد
تنضح روح «الشماتة» من تعليقات بعض الذين كتبوا أو تحدثوا أو أصدروا بيانات عن حادثة التدافع التي وقعت في مِنى. بعض الشامتين أشخاص يُعبِّرون عمَّا في دخيلة أنفسهم من حقد، والبعض الآخر مسؤولون في دول معروفة بعدائها وخصومتها ومناكفتها الدائمة لبلادنا بصرف النظر عن هذا الحادث أو غيره، وبعض الشامتين مجرد أبواق محسوبة على دول أو أحزاب لا تتمنى الخير لهذا البلد.
هناك فرق بين «الشماتة» وبين إبداء «الرأي» بإنصاف ونزاهة، حتى أن أحد «المُسَيَّسين» قال إن السعودية لا تقدّم من أجل الحج سوى كسوة الكعبة، فتصوروا!!
إن تطوير الخدمات التي تقدّمها المملكة للحجيج عملية مستمرة، ومهما تحقق من نجاحات وإنجازات لا يمكن أن نتصور أن ذلك هو غاية الكمال الذي لا يمكن تجاوزه؛ أما أن يأتي حاقد ويشطب بجرة قلم كل الجهود التي تقدّمها بلادنا كلما وقعت حادثة في أحد مواسم الحج فتلك هي الشماتة المتربصة التي لا تصدر إلا من نفوس تشتعل بالكراهية لأسباب لا علاقة لها بما يحدث بقدر ما هي انعكاس لمواقف سياسية أو أيديولوجية مسبقة. ومثل هؤلاء لن يرضوا عن بلادنا مهما قدمت من خدمات للحجيج.
نحن نعلم أن بلادنا تتعامل بكل حِلم وأناة وصبر وكرم مع ملايين الحجاج القادمين من مختلف دول العالم ومن مختلف الثقافات والعادات والتقاليد. هؤلاء الحجاج يتحدثون بلغات مختلفة، وبعضهم طاعنو السن، وأغلبيتهم من مجتمعات تعكس الواقع الاجتماعي والثقافي المتخلّف والمؤسف للعالم الإسلامي. بعضهم لم يتعود أن يقف في طابور، ولم يتعوّد على الانصياع لأي أنظمة أو تعليمات، ولا يدرك حجم الأخطار التي يمكن أن تنجم عن التصرفات العشوائية وغير المسؤولة التي يخالفون بها قواعد السلامة.
إن كل من أدى فريضة الحج قد لاحظ، على مدى السنين، هذه النماذج التي تعكس المستوى المتدني للوعي بين مئات الآلاف من الحجاج، ثم يأتي من يقول لك إن من واجب السعودية أن تغيِّر سلوك هذه المئات من الآلاف من البشر غير المتجانسين وتجعلهم يتصرفون بشكل ملائكي مثالي؛ فأي وصفة سحرية يمكن أن تبتكرها السعودية لتجترح معجزات بهذا الحجم في أيامٍ معدودات؟؟!!
نحن لا نقول إن التطوير المستمر لتنظيمات الحج ليس ضرورياً ولا نقول إنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، لكن التقويم الهادف والمنصف غير الشماتة والتنفيس عن سخائم النفوس الحاقدة.
إن أول تطوير للحج، من وجهة نظري، هو تقليل عدد الحجاج؛ فلا الجغرافيا ولا طبيعة الثقافة السائدة في بلداننا الإسلامية تسمح أن تكون أعداد الحجيج بهذا العدد الهائل مهما توسعت المملكة في المشاريع والخدمات، وأرى أن على المملكة أن تحد من هذه الإعداد الهائلة بما يحقق سلامة الحج: رضي من رضي وغضب من غضب.
من المؤكد أن الدول والأحزاب التي تنتقد المملكة كلما وقع حادث في الحج بسبب التدافع ستنتقد المملكة لو قرَّرت تخفيض عدد الحجاج، لكنني أتمنى فعلاً أن تتخذ المملكة قراراً بتخفيض عدد الحجاج إلى النصف، وأن تضع شروطاً حازمة يجب أن تنطبَّق على كل حاج كي يُسمح له بأداء فريضة الحج، ومن لا يعجبه ذلك فهذا شأنه.