قاسم حول
قليلة هي الأفلام السينمائية التي تنتج في الأردن، ولكن ثمة نهضة سينمائية ذائقية تحققها مؤسسات سينمائية قسم منها يقدم الخدمات ما بعد الإنتاج من المونتاج والصوت وتسجيل الموسيقى وسوى ذلك من العمليات الفنية التي يطلق عليها «العمليات اللاحقة» ويتمثل هذا بالهيئة الملكية للأفلام.
ولا تقتصر مهمة هذه الهيئة السينمائية الملكية على تقديم هذه الخدمات الفنية بل أيضا تتعداها إلى إقامة المهرجانات السينمائية. تشرف على هذه اللجنة السيدة ندى دوماني. وقسم آخر يشكل ما يشبه النادي السينمائي وبشكل أوسع من فكرة النادي حيث يتشكل ما يشبه مركز السينما يضم أرشيفاً لأفلام عربية وعالمية كثيرة، ويقدم العروض ويقيم أسابيع سينمائية للمخرجين وقد أنشأ المصرف العربي هذا المركز وأطلق عليه مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافية. هذا المركز الثقافي الناشط سوف يقيم في الخامس من شهر أكتوبر 2015 مهرجانا سينمائيا لمناسبة مرور خمسة وعشرين عاما على إنشائه.
لقد بدأ المركز نشاطه مدعوما من المصرف العربي ولكن أغلب العاملين فيه يعملون بشكل تطوعي منطلقين من مبدأ محبتهم للفن السابع. ومع الوقت أخذ المركز شكله الممنهج والحرفي والمؤثر في الساحة الثقافية في عمان وعموم المملكة الأردنية الهاشمية.
يشرف على قسم السينما الناقد الأردني المتميز والأكاديمي عدنان مدانات الذي حقق نجاحات في منهجية العروض السينمائية بحيث جعل من ذائقة المشاهدة ظاهرة إتسع روادها بشكل لافت للنظر طوال هذه السنوات الخمس والعشرين.
كان المركز قبل عام 1989 تقتصر نشاطاته على إنشاء مكتبة عامة وجوائز للعلماء العرب سنويا وتقام محاضرات في شتى صنوف المعرفة وإقامة المعارض التشكيلية. ولم يكن للسينما وجود قبل هذا العام. وفي أواخر العام 1989 أنشأت «لجنة السينما» ضمت بين أعضائها مجموعة من المخرجين والنقاد السينمائيين الأردنيين، وباشرت على الفور بإقامة العروض السينمائية أسبوعياً. لم تكن لماكنات الدجيتال الرقمية وجود في ذلك الوقت بل كانت العروض تتم عبر ماكنة العرض السينمائية التقليدية وهي عملية معقدة قياسا بالسهولة القائمة الآن. فكانت تجلب الأفلام السليلويدية ويعين عارض متخصص في عرض الأفلام. اليوم لا تحتاج العملية سوى خبير حاسوب ويتم العرض من خلال شرائح الـ (BLUE RAY). وحتى يأخذ العرض حالة شبه نظامية فقد أنشأ في صالة العروض مدرج خشبي متحرك ينصب مرة كل أسبوع ثم يتم تفكيكه بعد العرض.
كان المنطلق الأول في سياسة لجنة السينما في مؤسسة شومان اعتبار العروض نشاطا سينمائيا ثقافيا وليس نشاطا ترفيهيا يسير باتجاه واحد من لجنة السينما باتجاه الجمهور وليس العكس. وهذا كان يتطلب التعريف بالأفلام المهمة في تاريخ السينما العالمي وعرضها إضافة إلى عرض الأفلام التي تنتمي إلى أهم الاتجاهات والمدارس السينمائية العالمية وعرض الأفلام التي تعكس ثقافات شعوب العالم من مختلف القارات وفي مقدمة ذلك عرض الأفلام المهمة للسينمائيين العرب من مختلف أقطار العالم العربي. وكان الشرط الأساسي لاختيار الأفلام يتمثل في وجود قيمة فنية أو إضفاء الطابع الثقافي على عروض أفلام لجنة السينما فكان يجري بطريقتين الأولى كتابة نشرة تحليلية عن كل فيلم تتضمن أهم ما فيه من القيم الفنية والفكرية والجمالية وتوزع على الجمهور قبل عرض الفيلم والطريقة الثانية تتمثل في النقاش مع جمهور المشاهدين لتحليل الأبعاد الفنية والفكرية للفيلم.
إن فكرة النوادي السينمائية والمراكز الثقافية التي تعطي السينما أهمية متميزة في الثقافة، هي فكرة ناجحة ترتفع بمستوى المشاهدة والتلقي إلى مديات كبيرة وكذلك تؤسس الذائقة الجمالية المرتبطة بوعي الضرورة. فينشأ جمهور سوي وأنيق ومتحضر لما تحمله فكرة الفن السابع من مفردات الثقافة على مستوى العاطفة والعقل ومعرفة طبيعة البناء وتحليل الشخصيات والقيمة الشعرية والموسيقية والبنيوية والقصصية الروائية للفن السابع.
اليوم وبعد مرور خسمة وعشرين عاما على تأسيس هذه المؤسسة الثقافية ولجنتها السينمائية فإن المؤسسة سوف تقوم بإحتفالية سينمائية كبيرة يدعى لها عدد كبير من الشخصيات الثقافية الأردنية والعربية وقد أختير لهذا الإحتفال ثلاثة أفلام هي فيلم الافتتاح الفيلم الروائي «بغداد خارج بغداد» ويتحدث الفيلم عن غربة المثقف العراقي في وطنه، والفيلم من إخراج كاتب هذه السطور وفيلم «بس يا بحر» وهو فيلم كويتي من أفلام الستينات للمخرج خالد الصديق ويتحدث عن غواصي اللؤلؤ الذين يأخذهم البحر ولا يعودون وكان الفيلم قد ترك أثرا في تلك الحقبة على مشاهدي السينما في العالم لجماله وروعة إخراجه وأكد الفيلم اسم خالد الصديق كمخرج كبير في عالم السينما العربية. وسيحضر خالد الصديق عرض الفيلم. الفيلم الثالث هو فيلم «ماجد» للمخرج المغربي نسيم عباس. وهو تجربة هامة عكس ت ليس فقط موهبة المخرج بل أيضا قدرة الطفولة المغربية في خوض غمار الأداء السينمائي. حقا أنها تجربة جديرة بالمشاهدة سيتمتع بها جمهور المشاهدين ليطلوا من خلالها على واقع الحياة المغاربية ومستوى وتطور السينما المغاربية.
بهذه الاحتفالية تحقق مؤسسة شومان الثقافية إنجازاً هاماً في عالم السينما. تأكيد الذائقة السينمائية من خلال نوعية الأفلام والنشرات التثقيفية المتعلقة بالفيلم وفي كادره ومضمونه. والنقاش الذي يدور بعد عرض الفيلم كفيل بخلق ثقافة سينمائية ستؤدي بالضرورة إلى بروز مخرجين يحققون أفلاما سينمائية أردنية تكشف الواقع الأردني البكر سينمائيا. جدير بالذكر أن المؤسسة ستقوم بتكريم منتسبيها الذين تطوعوا لهذه المهمة في الحياة الثقافية وبشكل خاص الثقافة السينمائية طوال خمسة وعشرين عاما.
دائما مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة .. كانت الخطوة الأولى قبل ربع قرن من الزمان.