د. أحمد الفراج
يواجه التحليل السياسي معضلة كبرى، إذ إن القنوات الفضائية العربية تستضيف أي أحد، ويشمل ذلك كل من يرغب في الظهور التلفزيوني، ومنهم الإعلاميون المبتدئون، والكتاب من شتى الحقول، وحتى بعض الدعاة، وذلك للتعليق على أحداث جسام، فهناك الحزبي، وهناك صاحب المصلحة، وبالتالي يتابع المشاهد تحليلات رغبوية لا علاقة لها بالواقع، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن المسلم به أن الإنسان العربي لا يمكن أن يقول لا أعلم، وتستضيف الفضائيات هؤلاء الفطاحل حاليا للحديث عن سوريا، علما أن الثورة السوري قضية معقدة جدا، تتداخل فيها أطراف كثيرة، وأجهزة استخبارات عالمية، ثم تتفتق أذهان هؤلاء المحللين عن تنبؤات لا تخطر على بال، فمن قائل بأن سوريا ستصبح أفغانستان الثانية، إلى زاعم بأن روسيا تتحدى الولايات المتحدة!!، إلى شاطح يؤكد بأن حربا عالمية على وشك الوقوع بين القوتين العظيمتين، ويستمر التخرص إلى حدود غير معقولة، ولا يبدو أن هناك نية لدى المسؤولين عن قنواتنا العربية الفضائية لتعديل هذا الأمر، فمن يصدق بأنه يندر أن تجد برنامجا تلفزيونيا سياسيا واحدا من الممكن أن يعتد به، رغم وجود عشرات الفضائيات، وهذا أمر لا يمكن حدوثه إلا في عالمنا العربي!.
الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق لم يتواجها حتى في أحلك الأزمات، مثل قضية خليج الخنازير، في ستينيات القرن الماضي، ورغم كل ما قيل حينها، إلا أن القوتين العظيميتين لم تتواجها، فكل منهما يدرك الآثار المدمرة لمثل هذه المواجهة، وغني عن القول إنه لا يمكن للاتحاد السوفيتي، أو وريثته روسيا، أن يكون ندا لأمريكا، فعندما نتحدث عن أمريكا فنحن نتحدث عن أعتى قوة عالمية عسكرية عرفها التاريخ، وهذه القوة يدعمها نظام سياسي مؤسساتي عمره أكثر من قرنين، ونظام اقتصادي يتحكم في مفاصل الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصاد دول عظمى، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويعلم الروس والصينيون وغيرهم ذلك جيدا، ويكفي أن تعرف أن بإمكان الإمبراطورية الأمريكية أن تدمر أي دولة كبرى عن طريق الاقتصاد، لا عن طريق الحراك العسكري، والذي يعلم الجميع بأن أمريكا تملك منه ما يستطيع من خلاله تدمير العالم أجمع في غضون ساعات، ويؤكد الخبراء العسكريون أن لدى أمريكا أسلحة لم تستخدم، ولا أحد يستطيع حتى مجرد التكهن بقدرتها التدميرية.
لست هنا لأحط من قدر روسيا، ولكن لأوضح بأنه لا يمكن أن تقارن قوة أي دولة بالولايات المتحدة، فالقوة العسكرية وحدها ليست كافية، إذ لا بد أن تسند بقوة سياسية وقوة اقتصادية، وهنا لا مجال للمقارنة بين روسيا وأمريكا، كما لا يجب أن ننسى أهمية «العقيدة العسكرية»، ودورها في الحروب، ومع أن روسيا تمتلك القوة العسكرية، إلا أن خردواتها لا يمكن أن تقارن بنظيرتها الأمريكية، كما أن روسيا بلد تحكمه ديكاتورية فلاديمير بوتين، عن طريق الديمقراطية، وهو الأمر الذي تطرقت له مرارا، ومرة أخرى، لا بد أن يؤخذ هذا في الحسبان عند المقارنة، وخلاصة القول هي أن روسيا لم تتحدى أمريكا، ودخلت إلى سوريا وسط ترحيب غربي « خفي «، وشجب علني، وسنفصل في ذلك مستقبلا !.