د. أحمد الفراج
تحفل قائمة المرشحين الجمهوريين للرئاسة الأمريكية القادمة بأسماء كثيرة، وهناك تنافس شرس بينهم، أدى للتراشق الحاد، وذلك لإيمانهم بأن الفرصة لفوز مرشح جمهوري بالرئاسة كبيرة، نظرًا لضيق شريحة كبيرة من المواطنين الأمريكيين، خصوصًا المحافظين، من فترة رئاسة أوباما، ولئن كان هذا الضيق مبررًا إلى حد ما، فإن المؤكد أن مصدر ضيق المحافظين البيض من أوباما هو عنصري بحت، إِذ يعتقد كثير منهم بأن الولايات المتحدة انزلقت من بين أيديهم في اللحظة التي تم انتخاب رئيس أسود، ولنتذكر أن المواطنين السود لم يكن مسموحًا لهم بالتصويت، ناهيك عن الترشح فيما مضى!!، وبالتالي فإن المرشحين الجمهوريين يحاولون التقرب من التيار «المحافظ»، وكلمة «المحافظ» هي اسم الدلع لكلمة «العنصري»، إِذ إن القانون يحاسب الشخص العنصري، ولكنه لا يحاسب المحافظ، وشكرًا للغة التي تسمح بمثل هذا الجناس الجميل!.
برز من المرشحين الجمهوريين، بجانب دونالد ترمب، مرشح أسود، اسمه بن كارسون، وهو استشاري جراحة مخ وأعصاب شهير، وأول من أجرى عملية فصل توائم في الرأس، ولا شك عندي أن أخي وصديقي الدكتور عبدالله الربيعة يعرفه جيدًا، وليس هناك أسوأ ممن يلبس ثوبًا ليس له، ويتقمص شخصية لا تناسبه، وقد برزت، منذ ستينيات القرن الماضي، ظاهرة السود الأمريكيين، الذين يحاولون تقليد البيض، والتنصل من ماضيهم، وربما من لون بشرتهم، لو تمكنوا من ذلك، ومن يفعل ذلك من السود في أمريكا يطلق عليه لقب «انكل توم»، ومن أبرز هذه الشخصيات يأتي الجنرال كولن باول، رئيس القوات الأمريكية المشتركة أثناء حرب تحرير الكويت، ووزير الخارجية السابق، وكذلك السيدة كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، ووزيرة الخارجية السابقة، وبالتأكيد سيكون معهم الآن المرشح الجمهوري، بن كارسون، الذي يأتي في مرتبة متقدمة بين المرشحين الجمهوريين حاليًا.
في الحراك السياسي الأمريكي، ارتبط السود منذ ستينيات القرن الماضي بالحزب الديمقراطي، فهو الحزب الذي أسهم في منحهم حقوقهم المدنية كاملة، وبالتالي فإن انضمام أي سياسي أسود للحزب الجمهوري، المحافظ تاريخيًا، ينبئ عن الإصابة بمتلازمة «أنكل توم « لدى هذا السياسي، ولذا يحاول السياسي الجمهوري الأسود الإمعان في المحافظة، حتى ولو وقف ضد مبادئ بني جلدته السود، وفي هذا السياق جاءت مواقف المرشح بن كارسون المحافظة جدًا، التي لم يتبناها حتى بعض المحافظين البيض، ومن خلال هذا الإطار أبعد المرشح بن كارسون النجعة كثيرًا، فقد سئل عن رأيه في إمكانية انتخاب رئيس أمريكي مسلم، فقال نصًا: «لا أؤيد ذلك، لأنه سيكون مخالفًا للمبادئ الأمريكية!!»، أي أن عقيدة المسلم تتعارض مع المبادئ الأمريكية، وفات عليه أن تصريحه هذا، الذي ينم عن جهل وعنصرية فاضحة، هو الذي يتعارض مع المبادئ الأمريكية، وقد لاقى تصريحه ابتهاجًا من المحافظين، واستهجانًا واسعًا من شرائح شتى، خصوصًا من الطبقة السياسية الليبرالية، والمعلقين، والمثقفين، ولم يقل به حتى المرشح الأحمق والعنصري الأبيض، دونالد ترمب، وكل ما نخشاه، ونتوقعه، هو أن يخسر السيد بن كارسون فرصة الترشح للرئاسة، مثلما خسر شريحة واسعة من الناخبين بسبب تصريحه الساذج، ولكن طالما أنه من شريحة «أنكل توم»، فلن يتحسر عليه أحد، إِذ يحتقره بني جلدته علنًا، ويحتقره المحافظون البيض سرًا!!.