د. أحمد الفراج
لا يمكن لأعتى المحللين أن يفهم تثوير سوريا، وإن كان المؤكد أن سوريا أظهرت مهارات وكالات الاستخبارات العالمية والإقليمية، وقد تحولت هذه الثورة من ثورة محدودة، بدا أنها مصنوعة، إلى حرب عالمية على تنظيم إرهابي شرس، لا أحد يدري من أين جاء، ولا كيف جاء، وجل ما يفعل المتابع هو أن يتوقف طويلاً عند تنظيم داعش وخليفته، وكيف سيطر هذا التنظيم البدائي على جزء كبير من عراق الرشيد في زمن يسير، وتمكن من نقل أسلحة كثيرة بين العراق إلى سوريا، وعجزت الأقمار الصناعية المتقدمة عن رصده، وكيف أن خليفته البغدادي خطب خطبة مثل خطب العصور الأولى، ولم تكتف دول العالم الغربي بالفرجة على تلك الخطبة، بل نقلتها معظم وسائل الإعلام الغربية!!، بما فيها القنوات الأمريكية الرئيسة، ومن ثم خرج علينا زعيم العالم الحر، باراك أوباما، ليبشرنا بخطورة هذا التنظيم، وبأن الحرب عليه ستسغرق عشرات السنين، والعجيب أن هذا التنظيم ذبح بدم بارد عدة ضحايا غربيين، دون أن يغضب الغرب، ويثأر منه، وهو ذات الغرب الذي قضى على صدام حسين وجيوشه في فترة وجيزة!!.
يبدو الأمر محيرًا للغاية، فالولايات المتحدة التي زلزلت الأرض غضبًا من صدام حسين، وذلك عندما أساء التعامل مع مجموعة أطفال غربيين في بغداد، أثناء احتلال الكويت، كانت في منتهى البرود تجاه تنظيم داعش، الذي ذبح رعاياها بدم بارد، وبطريقة بشعة!!، ثم عرفنا فيما بعد أن ذوي إحدى الضحايا الأمريكيين حاولوا افتداء ابنهم، ولكن الحكومة الأمريكية عطلت هذا الأمر، ثم اختفت سيرة تلك الأسرة، بعد ذبح ابنها من قبل داعش، وبدا الأمر كما لو أن العرب والمسلمين كانوا أكثر غضبًا من الغرب تجاه داعش!!، ولا تنتهي عروض تنظيم داعش دون المرور على التحالف الدولي، الذي تقوده أعتى قوة عالمية، ولا يزال عاجزًا عن هزيمة مجموعة من المحاربين، ذوي الملابس الرثة، والذين يحملون سواطير وسكاكين تشبه تلك التي كان يستخدمها مقاتلو القرون الوسطى، ولا يتنابني شك في أن مؤرخي المستقبل سيجدون الكثير من التشويق والإثارة، وهم ينبشون دفاتر هذه الفترة التي نعايشها الآن.
عشرات المرات، سمعنا أن على بشار الأسد أن يرحل، وعشرات مثلها قيل لنا أن جيش الأسد يترنح، وأن دمشق على وشك السقوط، حتى لم تعد مثل هذه التصريحات تثير أحدًا، لأنها ببساطة لا تعكس الواقع المشاهد، وفي خضم كل هذه الأحداث الجسام، والموت المروع لمئات الآلاف، والهروب الكبير للملايين، كان الجميع ينتظر أمريكا، سيدة العالم، أن تتحرك وتفعل شيئًا، ولكنها في كل مرة تخيب الظنون، وكان كل هذا يجري بينما القيصر الروسي يعلن التحدي، بل ويجتاح دولة مجاورة له، في تحدٍ صارخ للعالم الغربي، وعندما حان زمن القطاف، قبل أسابيع قليلة، دلف قيصر الكرملين وجيشه العرمرم عبر بوابة دمشق، واقتحم أرض الرباط في الشام، وانقلبت الأمور رأسًا على عقب، وسيكون لهذا حديث مستقل.