عبد الله باخشوين
حكاية شعبية قديمة نستعيدها.
الحكاية تروى عن أحد البشوات الأتراك أيام زمان.
كان قد اعتاد أن يعطى الأوامر التى تنفذ فوراً من كل اتباعه.. وخدمه ومن هم أقل شأناً.
حتى إن منتقديه كانوا يسخرون منه ويطلقون النكات.. بعد أن اشتهر بكلمة (لا) و (لا تعمل كذا.. اعمل كذا).. و(لا).. ((لا تأكل هذا.. كل هذا )) وتتعدد الـ(لااات) حسب المواقف.. وأصبح ناقدوه يطلقون عليه لقب (باشا قل ولا تقل).
غير أن الزمن جار على باشا (لا).. وأفلس وألغيت باشويته وانتهى به الأمر فى ساحة قرب أحد المساجد القاهرة.. يجلب ماء الوضوء للمصلين ويبيعه في أباريق بما تجود به أنفسهم.. لكن طباعة لم تتغير وكلمة (لا) وجدت طريقاً جديداً يجعلها حية على لسانه وبطريقة بسيطة جداً.. فما إن يأتي من يرغب فى الوضوء ويهم بحمل الإبريق إلا ويسمعه يصرخ فيه.. (لا) (لا تأخذ هذا الإبريق.. خذ هذا) وطبعاً لا بد للمصلى أن يطيع.. ويتجه للإبريق الذى أشار إليه ويحمله.. خشية من أن يكون ماء الإبريق الأول ملوثاً.. خاصة أن صاحب الأباريق الباشا السابق يجلس على كرسي متهالك جلسة الباشوات يعطى الأوامر لكل من يريد الوضوء من صف أباريقه.
هذه الحكاية التى استدعيناها.. أو استدعتها الحالة الإيرانية عقب توقيع الاتفاق النووي.
لأن عليكم فى المرحلة الحالية - مؤقتاً- أن تسمعوا المزيد من التصريحات الإيرانية التي لا تخلو من المزايدة والتهديد.. رغم أنها - في حقيقتها - ليست موجهة للدول التى تستنفر عداءها.. لكنها موجهة لأنصار إيران وحلفائها.. وهي تقول على لسان كل مسؤول إيراني إن إيران كانت قوية قبل الاتفاق وهي قوية بعده أيضاً.. وقد جاء هذا فى تصريحات رسمية.
أما لسان حال أبرز حلفاء إيران - حزب الله - فقد تم كتصريح لنصرالله يؤكد فيه أن المال الإيراني قادم.. لأن إيران تقدم للحزب حوالي 300 مليون دولار كدعم سنوي.. يؤكد نصرالله بفرح أن الإفراج عن مال إيران المجمد سيكون له تأثير على دور حزب الله وأنصار إيران في المنطقة.. أي أنه يعد أنصاره بهبة كبيرة من أموال الشعب الإيراني التي كانت يجب أن تذهب لمحاولة علاج مدمنى المخدرات الملقيين في الشوارع والساحات لا حول لهم ولا قوة.. أو تذهب لتحسين الأوضاع الإيرانية.
نصر الله يظن أن مال إيران سيفرج عنه دفعة واحدة.. وأن سبل إنفاقه غير مقيدة أسوة بالحرس الثوري.. وهذا أمر هام لا يمكن لأي اتفاق أن يغفل عنه.
غير أن تصريحات إيران المعادية والتي أتوقع أن تستمر عدة شهور هي محاولة لصنع انتصار وهمي.
إيران تريد أن تقول لجيرانها العرب إنها انتصرت بهذا الاتفاق وإنها قوية وإن صوتها مازال عالياً.. لكن الحقيقة تؤكد أن إيران ليست قادرة - مستقبلاً - على تحمل ردود الفعل الدولية تجاه نواياها التي أُحبطت بالاتفاق النووي الذي لم يبق لها سوى المال الذي تلوح به في وجوه حلفائها وتعدهم ويعدون أنفسهم به مقابل المثابرة على إثبات شروط الولاء والطاعة.. والقول بنصر إيران التي خرج أنصارها للساحات بعد توقيع الاتفاق يرفعون أعلام النصر ويهتفون كعادتهم (الموت لأمريكا) ولأنه لا يوجد شيء ثابت في السياسة فلا بد لإيران أن تعود للأمر الواقع.. وتعيد النظر في مصالحها.. التي تؤكد بأنها بحسن الجوار.. والانفتاح الحضاري والاقتصادي على دول الخليج سوف يكون حالها أفضل وعزلتها أقل.. لأن إيران في علاقاتها مع الغرب بعد رفع كل العقوبات تحتاج لسنوات كثيرة قبل أن تتمكن من إزالة الشكوك وإعادة بناء الثقة.