د. عبد الله المعيلي
تستطيع أن تفرق دون عناء، وببساطة شديدة، بين جيلين، الأول من تجاوز عمره الخمسين، والآخر الذي تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين، فبين هذين الجيلين فوارق كبيرة جداً، في الرؤى و التطلعات والآمال، في المفاهيم والمعتقدات والعلاقات، في السلوكات والممارسات، في الأخلاق والعادات، وبكلمة مختصرة في جل أوجه الحياة الخاصة والعامة. فالسمة الغالبة على جيل الخمسين، أنه جيل لا يعرف التصنيفات المذهبية، وما ترتب عليها من مظاهر الكراهية والإقصاء، فالغالب أن الكل عنده مسلم طالما أنه يؤدي شعائر الإسلام ويلتزم بها، جيل متسامح، يحسن التعامل مع الكل، يتقبل الآخر ويتعامل معه بنوايا حسنة، يسمع قوله ويستمع إليه لكنه لا يفرط في قناعاته وإيمانياته، وفي الوقت نفسه لا يحملا في نفسه عداء وكراهية لذاك الذي اختلف معه. جيل خال الذهن تماماً من مفاهيم الأحقاد وأوجه الإقصاء والاستبعاد والكراهية لكون الآخر من يؤمن بمذهب معين، أو كونه من منطقة معينة، أفقه واسع، وقلبه طاهر، وعقله صاف خال من أوجه الانتماءات الضيقة، حزبية كانت أم مذهبية. لو سألت أحدهم عن دلالات بعض المصطلحات والمفاهيم المتداول اليوم بين الشباب، لفغر فاه مشدوها ولم يعطك جواباً، والسمة الأجمل عندهم أنهم لا يفرقون في تعاملهم وعلاقاتهم مع أحد مهما كانت درجة اختلافهم عنهم ومعهم، لأن هذه البلوى (تنافر القلوب والبغضاء) غير موجودة وغير معروفة في مصطلحات قاموس تكوينهم المعرفي، كل الذي يعرفونه الإخوة في الله، والتسامح والتآخي، والتعايش والتعاون في كل مجالات الحياة، تحيتهم السلام، ويعيشون في سلام نفسي واطمئنان، لا يلتفتون إلى أي وجه من أوجه الاختلاف، سواء في اللون أو اللغة أو البلد، لأن المتوافق عليه بينهم واحد، واضح شامل نقي، خال من صور التصنيفات البغيضة التي فرقت الشمل ومزقت الوحدة، وجعلت كل فرقة بما لديها أنه الحق دون غيره، ولا مجال لقبول غيره مما لدى الآخرين مهما كانت الحجة والبرهان الدالة عليه قطعية الدلالة، أما الجيل الذي تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والعشرين، فالسمة الغالبة عليه أنه جيل تربى على التصنيفات المذهبية، وتشرب ما ترتب على هذه التصنيفات من صور الكراهية والبغضاء، والإقصاء والاستبعاد، والشك في أقوال الآخر، والتشكيك في أعماله وأفعاله، حتى ولو كانت السمة الغالبة عليه الالتزام بفرائض الدين وشعائره، جيل منغلق منفعل مكتئب، يؤول ويحمل الأقول والأعمال غير ما تحتمل، يعد نفسه ومن هو على شاكلته المعيار الأصح للإسلام، جيل مهووس بالتصنيف، هذا سني وذاك شيعي، هذا سلفي وذاك إخواني، هذا صوفي وذاك إسماعيلي، جيل ربي على الاتجاه الواحد، الاتجاه الذي لا يقبل التفاهم والحوار، والبحث في أوجه الاختلاف، والبحث عن نقاط التقاء وتوافق، لأنه يعد هذا من باب التنازل الذي لا مجال للقبول به مهما كانت المسوغات. جيل يستند كثيراً في مواقفه واتجاهاته وآرائه وعلاقاته، إلى المقولات التي يسمعها من هنا وهناك، قال: فلان، وقيل عن فلان، يعتمد هذه المقولات دون تثبت وتحر من المصدر الرئيس لها وهو صاحب الشأن نفسه. يبدو أنه يتعذر تكييف هذا الجيل مع الواقع، وإعادة تأهيله ليكون أكثر مرونة وتسامحا، فالحال ينطبق عليها مقولة: (سنبلت على كعب)، وعلى السواد الأعظم.
إن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لا يجبر
المهم الأجيال القادمة لا تسلك الطريق نفسه.