د. عبد الله المعيلي
الكمال صفة سامية محببة، الكل ينشدها، ويتطلع إلى بلوغ أعلى درجاتها، ولاريب في ذلك ولا غضاضة، لكن وكما يقال: الكمال لله سبحانه وتعالى، أي أن الجهد البشري مهما كانت حماسته، وقدرته وقدراته، ودرجة إخلاصه وصدقه، لن يصل بحال إلى درجة الكمال المطلق، لكن قد يصل إلى درجة ما وذلك حسب التوفيق في الجهد والمنهج، وهنا تأتي التدخلات ووجهات النظر ومحاولات التعديل والتطوير. وحيثما توجد حركة وعمل، فإن مظنة التقصير فيه والنقص حتما واردة، النائم فقط هو الذي لا يتعثر، ووفقاً لهذه الحتمية ما الواجب على كل واحد منا أن يعمله تجاه ما يلحظه من أوجه التقصير والنقص في الأعمال ذات النفع العام، أو مخالفة الأنظمة والقوانين والتعليمات، التي غالباً ما نلحظها علانية في كل حين وآن ومكان، لأن المسؤولية المجتمعية توجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون له موقف مما يحصل في محيطه الاجتماعي. وحيث إن البشر مختلفون وفقاً لأساليب تنشئتهم وتكوينهم، وبالتالي فهم مختلفون في طبائعهم وأخلاقهم، واستجاباتهم و ردود أفعالهم تجاه ما يواجهونه يوميا من مثيرات مختلفة، فقد أمكن تصنيفهم إلى فئات ثلاث: الفئة الأولى: فئة سلبية، تتسم بعدم المبالاة واستشعار المسؤولية المجتمعية، تعيش في عزلة وانعزال عن محيطها الاجتماعي، لا تتفاعل مع قضايا المجتمع ولا مع أحداثه وحوادثه، ينطبق عليها وصف، من يمشي في ظلاله، ولا عليه من أحد، يرى الطوام الكبار تحصل أمامه ومع ذلك يمر عليها مر الكرام. الفئة الثانية: فئة ناقدة ساخطة، على بصرها غشاوة، سوداوية تلوم وتلوم، متذمرة حالها كما يقال: لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، إذا رأى أي عمل أو إنجاز ركز على أوجه النقص فيه، فعينه لا ترى سوى المساوئ والعيوب، أما المحاسن وإن كانت هي الأعم
و الأشمل فإنه لا يراها و لا تعنيه، مهووس بتتبع العيوب والنقائص، يشهر بها دون أن يقدم ما يمكن أن يسهم في معالجتها الفئة الثالثة: فئة إيجابية، تستشعر مسؤوليتها المجتمعية، وتشارك بفاعلية في تطوير الأعمال، وتحسين المنجزات، مبادرة متواصلة مع ذوي العلاقة، تبدي الرأي والمشورة، وتلفت الانتباه لما قد يكون متجاهلاً أو غفل عنه، أوفات على المعني العناية به. تعد الفئة الأولى علة وعالة على المجتمع، وهي إحدى معوقات تنميته، وأنها بمواقفها السلبية توهم المسؤولين وأصحاب القرار أن الأمور تسير كما ينبغي وفي الاتجاه الصحيح، بينما الحقيقة خلاف ذلك، في حين تعد الفئة الثانية شاغلة مشغلة، نظراً لتزكية آرائها وبلا حدود، وأن رؤيتها هي الأصح وهي الأصوب، وبالتالي على المسؤولين الأخذ بما يرون، وحتى وإن كانت تلك الرؤى
غير صائبة، أمثال هذه الفئة تحشر نفسها في كل شيء حتى الذي لا تفهمه ولا تحسنه، المهم عندها التدخل وإبداء المشورة الناقدة التي جلها غير ممكن، أما الفئة الثالثة، فأكرم بها من فئة، سمت ووقار، صدق والتزام بقول الحق والسعي في النفع العام، فلا تجاهل يفضي إلى ترسيخ الخطأ، ولا تجن وتعال وإشغال بما لا طائل منه، وإنما صدق وعدل وتوازن في قول الحق الذي يحقق التنمية والنماء.