د. محمد عبدالله العوين
من يقرأ التصريحات السياسية الساخنة أحيانا بين الإمبراطوريتين العظميين الأمريكية والروسية قد يخيل إليه أنهما على شفير مواجهة حربية قريبة تنتظر سببا أو خطأ ما لإشعالها!
لا احتمال لمواجهة حربية بينهما على الإطلاق.
إنه التنافس الشديد على المصالح والتسابق على احتلال مراكز النفوذ في عديد من المواقع الجغرافية في العالم وحرص كل منهما على إقامة قواعد عسكرية في أماكن النفوذ وعدم التفريط فيها بأي حال حتى لو استدعى الأمر القيام بحملات عسكرية ضخمة والدخول في مواجهات مع الطرف أو الأطراف الثائرة على النفوذ؛ كما حصل مع الروس في كوبا قديما وفي أفغانستان والشيشان وأذربيجان قبل سنوات، وكما يحصل الآن في أوكرانيا وسوريا!
وهو الشأن نفسه بالنسبة لأمريكا؛ فهي لا يمكن أن تفرط بمواضع نفوذها ومصالحها في أي مكان من العالم كما هو الشأن في كوريا الجنوبية والعراق ومنطقة الخليج.
إن بين القوتين سباقا محموما لبسط السيطرة والإمساك بأكبر قدر من المواقع التي تمكن أيا منهما من الهيمنة على المنافذ البحرية أو على الأجواء أو على الثروة الاقتصادية من خلال القواعد أو حلف الحماية بين السيد والمسود؛ كما هو شأن الاتحاد الروسي مع سوريا!
وإذا كانت هذه الحقائق جلية للعيان؛ فهل تكفي لتكون مسوغا واحدا كي تتقاطر قوات روسية هائلة العدد والعدة إلى سوريا؟!
لا اختلاف بين الروس والأمريكان على جملة من الثوابت السياسية في المنطقة؛ ومنها:
ألا تتدخل أمريكا بصورة عميقة في الشأن السوري؛ باعتبار أن سوريا محمية قديمة من محميات الاتحاد السوفيتي السابق، فهي إذاً منطقة نفوذ قديمة لروسيا، وأن تدع مسألة تغيير النظام أو بقائه للرؤية الروسية؛ لأنها المربية والحاضنة للنظام، وهي أدرى بالوقت المناسب الذي يحتم تغيير رأس النظام «بشار» أو بقاءه.
ووفق هذا الاتفاق لم تستطع أمريكا أن تجري أية محاولة جادة لتغيير النظام، بالرغم من البروبجاندا الإعلامية عن تجاوز بشار الخطوط الحمراء التي حددها أوباما باستعمال النظام الكيماوي لقتل السوريين.
ومن الثوابت أيضا تضافر جهود الإمبراطوريتين لمنع أية بوادر لتشكل قوة عربية أو إسلامية في المنطقة يمكن أن تنمو وتكبر وتحمل رؤى تبشيرية وطموحات توسعية بما قد يهدد نفوذ الحضارة الغربية أو الشرقية ويصادم مفهوماتهما وأنماط أساليب الحياة فيهما، وربما لا يجد الروس غضاضة في تشكل اتحاد أو قوة عربية لا تتجاوز حدود جغرافيتها؛ إلا أنها لا يمكن أن تسمح بتمدد نفوذ إسلامي يهدد الاتحاد الروسي؛ كما كان شأن الصدام الدموي بين المجاهدين الأفغان أو الشيشان مع الاتحاد السوفيتي سابقا، بينما ترى أمريكا أن العروبة والإسلام تتشكلان في جسد واحد، وأن العربي يعني الإسلام وأن المسلمين يعنون العرب، وكلاهما في حالة القوة خطر على إسرائيل، وخطر أيضا على الغرب حين يترجح احتمال نشوء وعي جديد بنهوض عربي إسلامي؛ فلا أحد من الغربيين أو الشرقيين، أي من دول الغرب أو دول الشرق يتخيل أنه يمكن أن يسمح لزحف إسلامي جديد نحو دول الحضارة المعاصرة تحت لافتة الفتوحات أو الجهاد، فقد أخذت دول العالم الغربي والشرقي دروسا قاسية مؤلمة من الماضي - كما تصور ذلك في أدبياتها - ولن تسمح للعرب أو المسلمين بإعادة الكرة من جديد؛ ما دام أن القوة العلمية والعسكرية والاقتصادية في اليد الغربية والشرقية.
ومن هنا فلا نزاع بين أمريكا وروسيا في مناطق النفوذ، ولا خلاف في هدف مشترك؛ وهو سعيهما إلى منع تشكل وحدة أو قوة أو تجمع أو نهوض عربي إسلامي، فهما متفقتان على التفتيت واستقلال الأقليات والطوائف وتمكين إسرائيل وإيران من أن يكونا القوة المهيمنة صاحبة القرار على الدويلات العربية المفتتة والمقسمة والمنهكة بالحروب والانقسامات؛ فهما الدولتان اللتان يؤمن جانبهما في أنهما لن يصدرا إلى العالم المتحضر غربا أو شرقا « أيدلوجيا « تحت لافتة الجهاد أو الفتوحات ولن يدخلا معه في صدامات بسبب اختلاف نمط الحياة.