رقية الهويريني
أول جملة قالها (صمويل كولت) بعد اختراعه المسدس عام 1814م :»الآن يتساوى القوي والجبان» تذكرت هذه المقولة بعد انتشار فيديو دراماتيكي يعرض مقطعاً بشعاً يظهر أحد أتباع تنظيم داعش وهو يحمل سلاحا ويقتل ابن عمه في الشملي التابعة لإمارة حائل امتثالاً لأوامر زعيم التنظيم الإرهابي! وهي نكبة عائلية كما هي فاجعة وطنية زلزلت وجدان الرأي العام في يوم عيد الأضحى.
ظهر القتيل مكبلاً وهو يستجدي المجرمَ ابنَ عمه بألا يقتله، في مشهد اجتمعت فيه كل أشكال اللؤم والنذالة والسفالة، ونقص الرجولة بل انتفائها، وسقوط مريع للقيم والمثل، وبضمير مسلوب وقلب مريض، وضرب سافر بوشائج القربى التي تجمع القاتل والقتيل حيث تساوى العسكري الأعزل القتيل مع المجرم الجبان الذي يحمل السلاح وقد استدرج ابن عمه لمنطقة نائية وقتله دون ذنب جناه سوى أنه مشروع عسكري قادم!! وداعش تحارب العسكر لإدراكها أنهم جدار أمني متين ضد الأعمال الإرهابية الموجهة للوطن والمواطنين! ولعل حادثة استشهاد رجال الأمن في مسجد عسير أكبر دليل على استهدافهم من لدن الإرهابيين الذين غالباً ما يقومون بأفعالهم المشينة حينما يكون العسكر عزلاً من السلاح، والإرهابي مدججاً بالمتفجرات!
إن الحالة التي وصلت لها أوضاع الشباب المعتنق للفكر الإرهابي تتطلب دراستها ومعرفة الطريقة التي تُبرمج فيها أدمغتهم، وكيفية غسلها، والتعرف على أسلوب حياتهم ونوعية أصدقائهم ونظرتهم للحياة، وصلتهم بربهم ودينهم الإسلامي، وعلاقتهم بأسرهم ومدى انتمائهم لبلادهم وأرضهم ومواطنيهم. ويستوجب سبر غور اهتمامات الشباب عموماً، والاقتراب منهم ومحاورتهم وإدخالهم في المجالس الشبابية وملء وقت فراغهم وتحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير فرص العمل المناسبة لهم، وإعادة النظر في نوعية الخطاب الديني المتطرف وجعله مفعماً بلغة التسامح مع الآخر، مترعاً بحب الحياة، بعيداً عن القنوط، مشحوناً بالدعوة للعمل والعطاء، ومتناغماً مع الحضارة والتطور المدني.
والحق أن التعامل الناعم والخلاَّق مع ذوي الفكر المنحرف ممن تلوثت أيديهم بالمحاولات اليائسة والمتكررة من تفجير أو إرهاب قد لا يجدي في المرحلة الحالية ومراحل متقدمة؛ حيث أثبتت الوقائع أنه لا نفع من مناصحتهم بالأسلوب التقليدي المتبع حالياً، لذا فإنه ينبغي تجفيف المستنقعات الآسنة، وعدم الاكتفاء بمحاربة البعوض كي تعود بلادنا نقية، بهواء عليل وطقس جميل، بعيداً عن سُحب القتل، وغمام الذبح. كيلا يتساوى الجبان بالقوي، ويظل القوي قوياً بدينه الصحيح، وعقيدته الصافية.