كتب - محمد المنيف:

إن النجاح الكبير الذي تحقق لحج هذا العام، رغم ما حدث من أمور خارجة عن الإرادة بذلت لها الجهود على أعلى مستوى، يؤكد أن حكومة المملكة العربية السعودية على استعداد لمواجهة أي طارئ في موسم عالمي التنوع والتعدد في الثقافات ومستوى الوعي بما يمكن أن يحدث بشكل فردي أو جماعي، حيث لم تغب أي من تلك الأمور عن المسؤولين في حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ومتابعة مباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

يحط الحجيج رحالهم وهم مطمئنون ويلهجون بالدعاء في كل موطئ قدم في اطهر بقاع الأرض، لينقلوا تلك المشاعر في وجدانهم قبل ان تتحدث به ألسنتهم معرفين بتلك الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لخدمة الحرمين الشريفين وعنايتها بالمشاعر المقدسة والتعريف بالخدمات التي تقدم خدمة لضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين.

الحرم المكي في العهد الميمون

ان ما تتمتع به مكة المكرمة والمشاعر المقدسة منذ ان وحد - المغفور له بإذن الله - الملك عبد العزيز من المشروعات الكبيرة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج الراغبين بأداء فريضتهم، وتناوب عليها أبناؤه الملوك إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فأصبح كل ما اعد وقدم ويعد لمستقبل الحرمين الشريفين من مشروعات تطوير وتوسعة وسبل خدمة حجاج بيت الله وزوار مسجد النبي محمد - صلى الله عليه وسلَّم - ، هماً وواجباً أساسياً في وجدان كل حكام هذا الوطن حرصاً منهم على أن يستوعب المكان الأعداد الكبيرة من الحجاج في موسم الحج والمعتمرين والمصلين.

وما يشاهد من مظاهر التطوير من خلال مشروعات لا تتوقف عبر الأعوام يلاحظها ويندهش منها القادم للحج قبل المقيم بين ظهراني الحرم المكي، خصوصاً من يعود للحج بعد سنة أو سنتين حيث يجد الكثير من الإضافات والتوسعات والخدمات الكبيرة.

الحرم المكي عبر التاريخ

أقامت مكتبة الملك عبد العزيز بالتعاون مع المتحف البريطاني معرضاً عن الحج أصدر له العديد من الكتب والدراسات منها كتاب يحمل عنوان (the art of hajj) تضمن لوحات لرسامين مسلمين حجوا وتفاعلوا مع المكان واستلهموا منه لوحاتهم كل حسب رؤيته، فمنهم من كان تركيزه على شكل الحرم المكي وموقع الكعبة منه وكذا الحرم المدني وما يحيط به، مع ما سجله بعض الرسامين من حالات التنقل عبر الطرق الطويلة والصعبة باستخدام الجمال والخيول، كما تطرق بعض الرسامين إلى العلاقات الروحية بين الحجاج إضافة إلى مظاهر الاحتفال بالحجاج عند عودتهم إلى بلدانهم.

وما يهمنا في هذا الطرح هو ما كان عليه الحرم المكي والحرم المدني في فترات سابقة اغلبها رسمت في قرون سابقة بعضها يبدأ قبل القرن الخامس عشر ميلادي.

تعددت فيها سبل التعبير بين رسم بالأحبار والرسم بالألوان المائية برز فيها جماليات المكان وقدرات الرسامين في تلك الحقبات على التعبير في اللوحات رغم صغر حجمها ما كان عليه الحرمان مكة والمدينة، وكيف كانت وكم كانت مساحتها وعدد الحجاج القادمين إليها. إضافة إلى إبراز بعض الرسامين لمساحة مكة المكرمة وأبنيتها التي تتسلق الجبال وتطل على الحرم المكي الشريف.

تلك اللوحات التي تتباعد فيها المسافات الزمنية بين قرن وآخر تجعلنا نعيش حالات من التخيل والمقارنة بين أزمان وأخرى، بين ما نراه اليوم من سهولة الوصول إلى الحرمين وامتلائهما بالحجاج والمعتمرين بملايين المسلمين وبين ما كان يؤم الحرمين من أعداد قليلة لصعوبة الوصول وبعد المسافات الجغرافية وما يتعرض له الحجاج من خوف وسطوا، وما أصبح عليه الحج اليوم من أمن وأمان في ظل حكومة نذرت نفسها لخدمة الحرمين.

لوحات بسيطة في حجمها وخطوطها واختزالها لأهم العناصر لكنها كبيرة في نفوس المسلمين في كل مكان في العالم لأنّها تعد وثيقة تاريخية وجسر بصري بين الشعوب المسلمة التي تحرص على ان ترى هذين المكانين.

رسالة الفن من الرسم إلى الصورة

عندما يقال إن الفن يحمل رسالة فهي الحقيقة وما نشاهده من هذه اللوحات لرسامين من كل أقطار العالم من شرق الكرة الأرضية وغربها من شمالها إلى جنوبها تهفو قلوبهم قبل أعينهم إلى هذه البقعة المباركة، فكيف إذا كان الحاج لديه موهبة تسجيل الحدث، فنان أدواته الحبر والألوان المائية الأدوات المتاحة في تلك الأزمنة، يسايرون بل ينافسون الفنانين المستشرقين الذين سجلوا مظاهر العمارة والعادات في المغرب العربي ومصر وشمال الجزيرة العربية ولم يتسنَ لهم دخول مكة والمدينة، فكان لهؤلاء الرسامين المسلمين الأسبقية في الجانب الزمني وفي خصوصية دخول هذه البقة الطاهرة، أحالوا تلك اللوحات إلى رسائل مرئية لشعوبهم، كما هي الصورة الفوتوغرافية والوسائط والأفلام الوثائقية، التي أصبحت شاهداً لا يمكن تكذيبه ترصد ما قدمه أبناء الموحد - رحمه الله - لهذه الأماكن الطاهرة واضعين أنفسهم خدام لبيته ومسجد نبيه.