محمد آل الشيخ
سألني: ماذا تعني بمواجهة ثقافة الإرهاب، تلك العبارة التي لا تكل ولا تمل من ترديدها؟. قلت: ببساطة، أن نُعيد الإسلام إلى أركانه الخمسة، التي بُني عليها، وأن نخلصه من (الكهنوتيين) المسيسين الذين اختطفوه، فوظفوه لخدمة طموحاتهم السياسية، لا لعبادته جل وعلا وحده دون سواه، وأن نسعى بمثابرة وإصرار لا يعرف التراخي إلى تخليص أركان الإسلام الخمسة على وجه الخصوص مما أضيف إليها، وألحق بها، حتى أصبحت هذه الأركان خمسين ركنا، وربما أكثر، وصارت التكاليف الدينية يتم تصميمها، وانتقاء الأدلة لها، والشواهد عليها، من تراث ضخم ممتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة. وعندما يكون قوله جل وعلا في القرآن، وهو قول يقيني قطعي، تتقدم عليه بعض المرويات الظنية الاحتمالية المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى من عاصروه من أصحابه, ناهيك عن مقولات بعض العلماء والفقهاء وتفسيراتهم وتأويلاتهم، عندها يمد (الإرهاب) عنقه، ويوظفه الإرهابيون، لهز الأمن والاستقرار في المجتمعات الإسلامية؛ وهذا أس مشكلتنا مع الإرهاب المتأسلم.
فالفقهاء الأوائل عندما (حددوا) أركان الإسلام وأسسه في هذه الأركان، ولم يلحقوا بها غيرها، كالجهاد - مثلا -، أو تحكيم الشريعة، كان تصنيفهم هنا يعني أن هذه الأركان الخمسة حصرا هي الحد الفاصل بين الإسلام وبين الكفر، وهي تخترق الزمان والمكان، فليست مقصورة بزمن معين، ولا تتقيد بمكان محدد. الآن إذا أمعنت النظر وجدت بوضوح أنها أصبحت من حيث الكم والكيف تختلف عنها في بداياتها، فكل يُضيف إليها ويلحق بها ما ليس منها، وإذا لم يستطع، وتعذر عليه الدليل، تأوّلَ معانيها ومقاصدها؛ ومن هنا، ولهذه الأسباب والبواعث، نشأ (التكفير) في المجتمعات الإسلامية، وبناء على ماتقدم - وهنا نقطة جوهرية - تساهل الناس بإراقة الدماء والقتل والتشريد باسم الدفاع عن الإسلام، والذَّب عنه، أو الدفاع عن الشريعة الإسلامية، وكُفر من لم يُحكّمها، حتى ولو كانت هذه القضية في الشريعة محل خلاف بين العلماء الأوائل لا المتأخرين؛ فتكرست ثقافةٌ (تضليلية) تكفيرية، مؤداها أن (التسامح) تفريط، وأن (التزمت) التزام؛ فكان هذا المنهج الخاطئ بمثابة الأساس البنيوي الذي بنى عليه المتأسلمون المسيسون إرهابهم.
ومن الخطأ أن ننتظر من (الفقيه)، أن يعمل بإخلاص وتفانٍ على اجتثاث ثقافة الإرهاب، في حين لا قوة ولا نفوذ ولا سلطة له، وربما ليس من مصلحته اجتثاثه، لأنه قد يرى أنه إضعاف له في المحصلة، وتفريغ لقوته وأهميته وهيمنته؛ وكما هي تجارب التاريخ، فمثل هذه المهام الكبرى لا يقوم بها إلا (السياسي)؛ فهو الذي يملك التحكّم في خيوط اللعبة فيوجهها إلى الإصلاح في الوجهة الصحيحة، وحسب متطلبات مصلحة الناس؛ كما أنه (فقط) من يستطيع أن يتصدى لأية عقبات اعترضته فيذللها، أو مصاعب تحتاج للتعامل معها إلى الحزم والحسم وفرض الأمر فرضا وبالقوة إن استدعت الضرورة، لتواكب الأهداف العليا المنشودة. وكل حركة إصلاحية للثقافة الشائعة بين الناس والمرعية من قبلهم، تحتاج دائما وأبدا إلى ثنائية (القلم والسيف)، ليكتب لها في النهاية النجاح. خذ - مثلا - المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي وحّد هذه البلاد، ثم رسخ أمنها واستقرارها، اعترضته في كل مراحل التأسيس عقبات وعوائق ومصاعب شتى، وكان جزء منها ثقافية، إلا أنه في نهاية المطاف تجاوزها، واضطر في أحايين كثيرة إلى القوة بمعناها القمعي. وأي باحث وراصد في تاريخه رحمه الله لن تخطئ عينه ملاحظة أنه تعرض إلى عقبات نوعية مختلفة، كان من ضمنها (ثقافة التزمت) والإنغلاق، غير أنه تعامل معها باللين أولا، وإذا وجد ألا بد من القوة والحسم، مارسها بلا أية تردد، حتى يجتث هذه العوائق ذات الصبغة المتزمتة الموروثة والجاهلة؛ ثم ومع الزمن تعود الناس عليها وتعايشوا معها، حتى المتزمتين أنفسهم، والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة.
إلى اللقاء