خالد بن حمد المالك
تعود يا عيد، وما زالت القدس بمآذنها وباحاتها ومحرابها وقبتها تشكو حالها ومصيرها، وتستغيث وما من مغيث، فيما هي مكبلة بأغلال العدو الإسرائيلي، ومدنسة بما يمارسه الصهاينة في أرضها المقدسة من عبث واعتداء، وويل للمصلين إن هم قاوموا هذا العدو المدجج بالسلاح.
* * *
ويا عيد، ها أنت تهل علينا، تملأ عيوننا وأحداقنا بإطلالتك البهية، فيما نحن نشعر بالخجل منك، لاقتناعنا بالتقصير أمام هذا الفجور الذي يمارس بحق القدس الشريف، وما من أمل إذا ما ظل وضعنا المستكين والمستسلم على ما هو عليه دون إنقاذ القدس من مدنسيها، ومن المعتدين على مقدساتها.
* * *
لقد اختفت صفات الحمية والشعور بالذنب، وغاب حق القدس في رقابنا، بأن ندافع عنها بكل ما نملكه من شجاعة وإقدام، وبقينا عرباً ومسلمين هكذا، كأن على رؤوسنا الطير، لا نحرك ساكناً، لا نقدم على فعل يحفظ للقدس كرامتها وقدسيتها، وأن يعيد لها حقها المسلوب.
* * *
تُرى متى يصرخ صوت نبيل وشجاع ومقدام فينا، فيوقظنا من سباتنا، متى ينادي كل منا بتحرير القدس من مغتصبيها، فيلتئم عندئذٍ الجميع في موكب جهادي وشجاع باتجاه القدس لتحرير أولى القبلتين، كما فعل من قبل صلاح الدين، دون شعور بالخوف، أو تردد في فك أغلالها من المحتل.
* * *
ويلُنا كعرب ومسلمين من الضمير حين يصحو، من التاريخ حين يتحدث، ومن الأبناء والأحفاد حين تصلهم المعلومات عن موقفنا المتخاذل من احتلال إسرائيل، ويلُنا حين يكون إرثنا لهم: داعش والقاعدة والنصرة ومن على شاكلتها من المتآمرين على أوطاننا لا على القدس فقط.
* * *
فيا قدس الحبيبة، عفواً إذ أصابنا الهوان والضعف، فإذا بنا نقصِّر بحقك، بينما كنا من قبل نردد «لا عيد إلا حين تعود القدس، أو العيد إن عدنا للقدس»، وما إلى ذلك من الشعارات والمقولات التي طواها وأخفاها غبار المواقف الانهزامية، فلم تعد الأمة حتى بمثل هذه الشعارات تتواصل مع القدس.
* * *
ويا قدس، العين بصيرة واليد قصيرة، أو هكذا، وما من يوم مرَّ إلا والحزن على ما آل إليه وضعك يسكن في دواخل المخلصين منا، بينما الشعور بالتقصير تترجمه مواقفنا المتخاذلة، لكنك ستبقين مصدر إلهام لأجيال قادمة، ربما تكون أكثر منا في تصميمها وعزمها على تخليصك من قبضة العدو.
* * *
دامت القدس، مدينة السلام، والمقدسات، بحرمها ومسجدها ومآذنها، وتاريخها، وتمسك الأحرار من أهلها بها، ودفاع المخلصين من الأمة عن أمنها، ودام عز سلمان بن عبدالعزيز، إذ حرَّك باتصالاته مع زعماء العالم حول وضع القدس، وحدبه عليها، ما أثارني للبوح بمثل هذا الكلام عن القدس الحبيبة.