أحمد محمد الطويان
مكة المكرمة في أيام الحج ترتدي ثوباً يتجدّد كل عام، في بياضه تجتمع الألوان، ولا شيء يشبهها ولا مكان على وجه الأرض ينافسها، أكتب لكم اليوم وأنا في الأرض الطاهرة أرصد شيئاً من التميز الإداري والخدمي، وأشياء من الصدق والعبادة المخلصة، لن أعيد عليكم أرقاماً كررها الإعلام في الأيام القليلة الماضية،
فالأعداد الغفيرة من الحجيج والأعداد الكبيرة من الرجال والآليات التي هيئت لخدمتهم لا تُقاس فقط بالأرقام، الحجيج عندما تكون حركتهم انسيابية وسلسة، وسلامتهم متحققة مهما كان عددهم يعكس نجاحاً في التنظيم، وعندما توظَّف الطاقات وتستغل الإمكانات الاستغلال الأمثل يتحقق الأمن وتتوفر الراحة لحجاج بيت الله، فالإنجاز لا يحققه الرقم، ولا يمنعه أو يعطّله الرقم أيضاً.
الداخلية السعودية هي حاضنة التنظيم ومفتاح النجاح في أعمال الحج، ويلقى عملها دائماً الإشادة لما تتبعه من معايير تحقق أهداف الخطط التي تتطور كل عام.. الداخلية أيضاً بصفتها المنظّم الرئيس، وبوصفها حافظة الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، معنية في إبعاد المناسبة الدينية الأهم عن أي استغلال سياسي، أو أعمال إجرامية، وكان تصريح ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف واضحاً بهذا الخصوص.
في الحج أيضاً رسائل دينية صادقة يبعثها السياسي إلى من يهمه الأمر، استشعاراً للدور الكبير للسعودية وإعمالاً لمكانتها المعنوية في قلوب المسلمين، ومن هذا المنطلق حضت المملكة على التواصل مع علماء اليمن الشقيق من خلال برنامج متميز تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية، ويستضيف هذا البرنامج 500 عالم دين يمني، ويهدف إلى إثراء العلاقات وتقوية أواصر التعاون مع جار له في قلوب السعوديين مكانة خاصة، وهذا لون من ألوان التقارب الذي ينعكس إيجابياً على السياسة. وعندما تستضيف السعودية ألف حاج على نفقة الملك الشخصية من كل أنحاء العالم، فإنها تفتح دروباً للتواصل مع مسلمين يحملون لهذه الأرض الكثير من الود والمحبة. أما ما يتعلَّق بفلسطين فإن السعودية تترجم أقوالها إلى أفعال دوماً فيما يتعلَّق بقضية هذا الشعب الذي يعاني مرارة الصراع الطويل مع الإسرائيليين، وتأتي استضافة الملك لألف حاج من الفلسطينيين في برنامج استضافة مستقل لذوي الشهداء، يعكس تقديراً سعودياً كبيراً لهذا الشعب ولشهدائه، واهتمام الملك سلمان الشخصي بشؤونهم يعطي انطباعاً ترسخه المبادرات المتميزة التي يطلقها من أجلهم.. كنت أتحدث قبل وقت قصير مع الأستاذ عبدالله المدلج وهو الأمين العام لبرنامج ضيوف الملك وقال بصراحة إن اهتمام الملك سلمان بهؤلاء الحجاج وحرصه الكبير على راحتهم، يعني الكثير ويعكس الرؤية السياسية المنطلقة من الأساس الديني، والبعيدة عن المصالح الضيّقة والمتعجلة.
المدلج قال بلغة صادقة بعيدة عن الرسمية، من يعرف سلمان بن عبدالعزيز وعطائه وحبه للخير ورغبته المستمرة في الاستفادة من ثقافتنا وهويتنا ومكانتنا لن يستغرب أبداً.. الحج الذي نعيش نجاحه بفضل الله، لم يأت من فراغ، والعمل المتواصل لخلق سفراء لنا في دولهم يتحدثون عن تميزنا وحقيقة رسالتنا.
الحج محور أساسي بتصوري في ما يمكن تسميته «الديبلوماسية الشعبية» وهذه القوة الناعمة التي تغيِّر الكثير وتحرِّك الساكن وتسخن الفاتر، لم يهملها صاحب القرار، بل دعمها وأشاد بها، وليس فقط في التنظيم أو في الاستضافة الخاصة، بل حتى في خدمة واستقبال جميع الحجاج، وأيضاً في الجهد الإعلامي المنطلق من ذات النقطة ومن هذا الجهد افتتاح معالي وزير الثقافة والإعلام لقناة فارسية سعودية تعطي تغطية متواصلة عن الحج، وهو بتصوري مشروع جبار يستحق الإشادة.. السعودية في الحج أكبر من السياسة بكثير، ولا تقبل بسياسة مضادة ولا أي نوع من استخدامات السياسة في جلب المصالح.
تقبل الله من الحجاج، وحمى الله رجال الأمن وكل عام وأنتم بخير.