أحمد محمد الطويان
كيف يتحول المسؤول من إنسان طبيعي إلى كائن استثنائي بعد توليه المنصب؟!
يشعر المواطن الذي يتم اختياره للخدمة العامة في وظيفة قيادية بأنه متحول من فئة البشر ذوي الدماء الحمراء إلى فئة أرفع وأرقى، وهنا لا أعمم، فالكثير من المسؤولين جعلوا المناصب وسيلة للخدمة، واعتبر نفسه خادماً للمواطنين، بعيداً عن أولئك الذين جعلوا المنصب خادماً لهم وحولوه إلى وسيلة لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية لهم ولرهطهم الأدنون.. كثير من المتحولين كان يفتقد قبل المنصب للثقة بنفسه، ودفعه ذلك للغرور والانتشاء وتصديق كذبة التفوق على الجميع، وتناسى حقيقة تقلبات الزمن وأن الأيام دول، وأن حصانة المنصب المزعومة زائفة وأن العمل الطيب هو الحصانة الحقيقية.
كثيرون فقدوا مناصبهم ونسيهم المجتمع، بل بعضهم أصبحوا منبوذين ومكروهين، والسبب ما زرعه هؤلاء من كراهية عندما كانوا في مواقع المسؤولية، المصيبة أن كثيرا من المسؤولين لا يتعظ ولا يعتبر، ويعتقد بأنه مختلف وليس له مثيل أو شبيه، وهذه هي الفئة التي تدوس سيرتها أقدام المتضررين من غطرستها وأيضاً من عرفوا حقيقتهم.
لا يوجد استراتيجية على وجه الأرض تبقي للمسؤول مكانته وهو في العمل أو خارجه مثل محبة الناس وحب خدمتهم، وتوفير الوقت الكافي لاستقبالهم والاستماع لشكواهم أو وضع الآليات المناسبة للتعامل المباشر مع طلباتهم واتخاذ القرارات بشأنها وفق الأنظمة. المواطن الذي يتعامل مع الحكوميين يحتاج إلى من يقدره ويحترمه ويتعامل معه بإنسانية حتى لو لم ينجز عمله في الغالب.
أتفهم ويتفهم الكثير من الناس انشغال المسؤول، وعدم قدرته على تلبية احتياجات الناس بنفسه، أو استقبالهم في مكتبه، أو الرد على اتصالاتهم، ولكن هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال انعزال المسؤول، وابتعاده عن المجتمع، أو التعامل بفوقية مع من كان متوازناً في علاقته معهم قبل المنصب.. يجب أن يفكر صاحب المنصب باللحظة التي سيصدر فيها إعفاؤه، وكيف سيواجه في حينها نظرات الناس، رغم أن الحل بسيط ويمكن للجميع تطبيقه، عدم قطع جسور التواصل واتخاذ ولاة الأمر قدوة في تعاملهم الانساني والحضاري مع مختلف الشرائح الاجتماعية.
ستذهب سكرة المنصب وستأتي لحظة المواجهة، وقتها سيتجرد المسؤول من كل ما يستره ويبقى له رصيد اجتماعي يكسوه من جديد، والمتغطرس في الوظيفة العامة تكون نهايته الوظيفية في الغالب مدوية ومهينة، وفقيرة من حيث الإنجازات، وأيضاً غالبية هؤلاء يختارون مديري مكاتبهم من ذات الفصيلة وأقصد هنا فئة المتعالين المتغطرسين، وهنا تزيد مصيبتهم وفشلهم الاتصالي.. العلاقات العامة تحتاج إلى من ينزل الناس منزلتهم، والمنزلة لا يحددها الرصيد في البنك أو النسب والأصل، إنما المعايير الاجتماعية البسيطة دون تكلف أو مزايدة.