أحمد محمد الطويان
فايروس كورونا، التطرف الإيراني، التطرف الداعشي... كل ما ذكر يصنف إرهاباً، ويندرج تحته الكثير من المخاوف ويتطلب الكثير من الاحترازات، خصوصاً إذا علمنا بأن كل تحدٍ من هذه التحديات يستهدف السعودية على مدار العام.. ونحن الآن على أبواب موسم ديني تستنفر فيه كل الجهات الحكومية طاقاتها من أجل إنجاحه، فالحج بالنسبة للسعودية ليس مناسبة دينية فقط،
فهو تتويج لتخطيط منضبط وعمل يتوخى الجميع إتقانه لإنجاح الحدث الأهم الذي تتولى تنظيمه وتأمينه هذه البلاد بنجاح كل عام.
السعودية لا تفصل أمنها الوطني عن أمن موسم الحج، وإجراءاتها الوقائية أمنياً وصحياً هي ذاتها، ولكن تأخذ في عين الاعتبار تنوّع الوافدين إليها والأعداد الضخمة التي تقيم في مساحة جغرافية ضيقة ونطاق زماني محدود، الخبرة أعطت السعوديين دروساً في التعامل مع الطوارئ وأخذ كل المستجدات في الحسبان، مر على الحج في السنوات الماضية مشاغبون يريدون تسييس المناسبة، واستخباريون يريدون تشويه صورة السعودية، ومأجورون حاولوا تعكير صفو الحج، تعاملت السعودية في كل المواقف بحزم، وما أعلن بحسب المطلعين أقل بكثير مما أغلق حفاظاً على قدسية الشعيرة الدينية، وحتى لا يشعر ضيوف الرحمن بما يكدرهم أو يزعجهم. كل ذلك زاد الخبرة وكثّف الاطلاع، وكشف مصادر التهديد، الأمر الذي زاد من الاستعداد للمتوقّع والمحتمل والخارج عن الحسبان.
ونحن على أبواب الحج عاد كورونا ذلك الفايروس المرعب ليشكل هاجساً يقض المضاجع، وربما المخاوف من حجاج الداخل أكثر من حجاج الخارج، إضافة إلى فايروس إيبولا الخطير المنتشر في أجزاء من إفريقيا، ومخاوف صحية أخرى، ولكن لو قرأنا تجربة العام الماضي الناجحة نشعر بالاطمئنان قليلاً وعلى الأقل بعد أن حصل العاملون في القطاع الصحي على خبرة واسعة في هذا الأمر بعد أن دفع عدد ليس بقليل منهم حياته ثمناً لنقص المعرفة والتساهل في عملية انتقال العدوى.
أما فيما يتعلق بإيران «المتطرفة» فلا غرابة عندما يحسب السعوديون حساباً لتصرفات رعناء قد يرتكبها بعض المندسين في بعثة حجيجها، والتاريخ يسجل تجارب بعضها دموي وعدواني، ففي الثمانينات موّلت وأدارت إيران عملية تفجير استخدمت فيها كل عوامل الفوضى وتصدت لها قوات الأمن بصرامة.. وأيضاً الكثير من الأعمال الأخرى المتفرّقة، وأعمال الشغب والتظاهرات، ولأن لإيران وجهين أحدهما ديبلوماسي سياسي والآخر ثوري عصاباتي، لا تعرف بالضبط أنت تتعامل مع أي الوجهين، الأول يعطي الطمأنينة ويتحدث بلغة السياسة والثاني متهور أرعن ودموي لا يهمه أحد ولا يوقفه سوى الردع.
أما إرهاب داعش ومثيلاتها فيعتبر السعودية العدو الأول، وضربت السعودية أمثلة للعالم في قدرتها على مواجهة الإرهاب بقوة وحزم.. ولكن المخاوف من أي أعمال قد تكون واردة، إذا ما حسبنا حساباً لإستراتيجية تفجير المساجد وقتل المصلين التي انتهجها التنظيم المتطرف خلال العام الجاري، وهذا يدق أجراس الحيطة والحذر.
النجاح لا يتحقق بسهولة، وإدارة الحج يجب أن يعرف الجميع أنها ليست مسألة روتينية، أو بسيطة، والإمكانيات التي تبذلها الحكومة السعودية تفوق كل التوقعات وما يعلن أقل بكثير مما لا يعلن، التحديات التي استعرضتها هنا كبيرة، وربما واحد منها كفيل بأن يخلق مشكلة كبيرة، ولكن أعلم جيداً أنه لو جاءت تحديات أكبر بعشر مرات مما ذكر سيكون هناك احتياطات كبيرة، بل ضربات حازمة لكل من يريد الأضرار بالحج، وحتى على الصعيد الصحي، لا تهاون في مسألة العدوى والسيطرة على فايروس كورونا... سؤال طرحته على أحد المسؤولين وأجاب بقوة: لدينا قوة أمنية مؤمنة بربها وبمسؤولياتها تمنع الخطر بأمر الله وتنهي أي عمل عدائي في لحظة وقوع أي حدث لا سمح الله.
الدولة القوية هي التي تواجه كل التحديات بإيمان وثقة، لا تلتفت لكل المحبطات والمثبطات، والأمن الداخلي لا تكتمل دائرة من دون سلام اجتماعي وثقة بالدولة.. لدينا ما يجعلنا واثقين بالله ثم برجال هذا الوطن.. والحج آمن بإذن الله ثم بعزيمة من تشرّفهم خدمة الحرمين وضيوف الرحمن.