عمر إبراهيم الرشيد
تعطي بعض الإعلانات في الصحف ملامح للحراك في المجتمع في شتى المجالات، وبعضها يلخص لك وضع قطاع كامل إن كان ناجحاً أو العكس. وللإيضاح أكثر، نشر إعلان في إحدى الصحف قبل أيام، تطلب فيه شركة عقارية وطنية مهندساً مدنياً لمشاريعها على أن يحوز خبرة عشر سنوات،
وأن تكون لديه إقامة قابلة للتحويل، أي بعبارة أخرى لا تفضل الشركة أن يكون مواطناً، مع أنّ الشركة وطنية وتعمل في الوطن لا خارجه!!، ألا يلخص إعلان كهذا وقاحة بعض شركات القطاع الخاص؟. حتى وقع نظري بعد ذلك على ما هو أعجب من ذلك الإعلان وهو مدار مقالي هذا، حيث نشر صندوق التنمية العقارية إعلاناً يطلب فيه مبنى للإيجار ليكون مقراً إدارياً للصندوق في شمال العاصمة، ولعل إعلاناً كهذا يلخص كذلك لمن يقرأه جيداً وضع الإسكان ومعضلته المزمنة، برغم الدعم المهول الذي قدمته الحكومة السعودية وماتزال لهذا القطاع الحيوي والخطير. حقيقة لا أدري لماذا يشعر من يزور مباني كثير من القطاعات الحكومية أنها تعيش أوضاعا (مؤقتة)، من حيث مقراتها ومرافقها بحيث إنها مستأجرة، لذا هي تفتقر إلى مواصفات المباني المجهزة أساساً لتكون مصالح تقدم خدماتها على نسق إداري منظم ومدروس، تريح موظفيها نفسياً ومهنياً كما تشعر مراجعيها بالاطمئنان والرضا وبالتالي حب النظام والالتزام.
قبل فترة راجعت إحدى المصالح بغرض إنهاء معاملة، ولن أذكرها حتى لا يفهم حديثي على أنه تملُّق، وللحق فقد كان تعامل الموظفين في غاية اللطف مع الفهم التام لما يقومون به من عمل وحسن إدارته، لكن أيضاً كان المقر لتلك المصلحة مباني راقية ومتقنة الإنشاء مع نظافة وفخامة تليق بمصلحة حكومية لها مساس مباشر بالجمهور، ولا يخفى على فهم القراء الكرام تأثير المبنى والبيئة العمرانية وكذلك النسق الإداري دون شك على نفسية وأداء الموظفين، وبالتالي مراجعي الدائرة . العكس تماماً رأيته عندما ذهبت إلى مصلحة أخرى في مبنى مستأجر بائس، برغم محاولة بعض موظفيه التلطف حقيقة مع الجمهور، إلاّ أنّ الأداء بشكل عام متدنٍّ بشكل يسهل ملاحظته، والمقر على حساسية الوظيفة التي يؤديها القطاع للمواطنين والمقيمين وهي تتصل بسلامتهم وأمنهم، مقر يفتقد إلى كل ما من شأنه مساعدة الموظفين على تأدية عملهم بإتقان وأريحية وبعد عن الضغط النفسي والذهني والبدني كذلك، والأمر ينطبق على المراجعين كذلك، فهم المستهدفون وهم مناط المصالح على اختلافها. والعلة الباطنية لكل ذلك أنّ ذلك المقر إنما هو مبنى مستأجر لا يتناسب ولم ينشأ أصلاً خصيصاً لنشاط وعمل تلك المصلحة، عدا عن افتقاره للمواصفات الصحية والنظافة والجودة.
أعود إلى صندوق التنمية العقارية وبحثه عن مقر يستأجره، والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه أنه إذا كان الصندوق وهو الجهة التي يفترض أنها تسهم في تملُّك المواطنين لمنازل تؤويهم، تبحث عن مقر مستأجر، فكيف ننشد حلولاً غير عادية لقطاع الإسكان ومعضلته المزمنة برغم الدعم الحكومي السخي؟!. ثم متى نرى مقرات تكون أيقونات عمرانية وحضارية لكل المصالح والدوائر الحكومية، مثل مبنى إمارة منطقة الرياض ومؤسسة النقد ومستشفى الملك فيصل التخصصي كأمثلة ونماذج يحتذى بها؟، لنأمل فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.