عمر إبراهيم الرشيد
النجاح أكبر محفز على السعي لنجاح آخر، وهكذا تتوالى فرص النجاح والإنجاز وحتى الإبداع، على أنّ النجاح لا يأتي طواعية وبسهولة دوماً، بل لابد من إخفاق هنا وهناك وإلا لما تعلّم بنو البشر، ألم يخطئ توماس أديسون مئات المرات قبل أن يتوصل إلى اختراعه العظيم المتمثل في المصباح. وأي نشاط أو منشأة أياً كان اختصاصها ومكانها تأسست على قواعد صحيحة وكانت إجراءاتها ونظامها في التشغيل والإنتاج على أسس صحيحة، فإنها في الغالب الأعم لن تقبل إلا بالتميز والسير على طريق النجاح حتى ولو حادت قليلاً أحياناً إلا أنها تعود على مسارها.
والنماذج لدينا ماثلة، شركة أرامكو ومستشفى الملك فيصل التخصصي كأمثلة على ما ذكرت معروفة للجميع، حيث إن تأسيسها وبخبرات أجنبية وأمريكية تحديداً وعلى أسس قوية ومهنية جعلها تسير على طريق الإنجاز والنجاح والإبداع، حيث أكملت الخبرات والكفاءات الوطنية وبدعم ورعاية الدولة هذا الطريق وما تزال. فليت الكثير من الأجهزة الخدمية لدينا الحكومية وحتى الخاصة منها تقتفي أثر مثل هاتين المنشأتين في العمل والإنتاج.
أردت من هذه المقدمة أن أوسع الدائرة لتشمل دول مجلس التعاون في تبادل الخبرات ونقل النجاحات بين قطاعاتها، وهذا أقوى أشكال التعاون والذي تشهد دول المجلس بعض أوجهه في قطاع الخدمات المختلفة، لكن طموح مواطنيها أكبر بكثير والأمل يحدوهم بأن يشمل هذا التعاون جميع المجالات.
أعجبني تعامل سلطات أبو ظبي في الإمارات الشقيقة مع مواطن ارتكب مخالفات مرورية وسلوكية بمركبته خارج الدولة وتحديداً في بريطانيا، وقام بتصوير نفسه ونشر المقطع في وسائل التواصل الاجتماعي، فما كان من السلطات هناك إلا أن تعقّبته وطبّقت عليه ما سنّه النظام من عقوبات . حقيقة مثل هذا الإجراء رادع قوي للجم أي سلوك يسيء إلى سمعة بلد المخالف وثقافته، خاصة وإن التقنية سهلت تعقب المخالف أينما كان، وبالتالي تطبيق العقوبات عليه. هكذا نجاح إماراتي يسعد به كل مواطن خليجي يعي معاني المواطنة وروابط الدم والدين والثقافة . أقول هكذا نجاح نشهد أمثاله لدينا ولله الحمد في مجالات عديدة، إلا أنّ معضلتنا الكبرى في المملكة فيما يخص طرقنا والمرور بشكل عام هي الحوادث المميتة التي تقتل أكثر مما يقتل أي وباء بما فيه السرطان، وقانا الله وإياكم منه وعافى كل مبتلى به. فالبرغم من نظام ساهر - على علاّته ونظام الجباية فيه - إلا أننا لم نزل نشهد ونقرأ ونسمع عن حوادث مميتة وبشكل يومي على الطرق السريعة وحتى داخل المدن، فأين أسبوع المرور الخليجي الذي يمر دون أن نلمس تأثيراً له من حيث تبادل الخبرات والتطبيق الحازم للقوانين. وهل هي القوانين لدينا في المملكة والقصور في تطبيقها هي المسئولة وحدها عن إرهاب الطرق القاتل، أم الثقافة المرورية وآداب الطريق، أم الطرق وتصاميمها ومشاكلها والحفريات المزمنة التي صارت علامة مسجلة حصرية لشوارعنا؟.
في رأيي أنّ المنظومة المرورية مع التقدير لمنسوبيها وكما قلت لا تتحمل وحدها مسئولية الوضع المروري السائد لدينا، أقول تحتاج هذه المنظومة إلى إعادة هيكلة بما فيه نظام ساهر، وإعادة تواجد دوريات المرور بما يكفي لفرض هيبة نظامها، ومعه تعاون إدارات المرور بدول المجلس لزيادة كفاءة أجهزتها وتبادل التجارب الناجحة وتعميمها . والأمل يحدونا بعد انتهاء مشاريع النقل العام والقطارات بين المدن والمترو داخلها بنقلة نوعية في النظام والهيكل المروري كما قلت، والاستفادة من تجربة الإمارات الشقيقة لسبقها في هذا المجال، صحبتكم السلامة.