عمر إبراهيم الرشيد
لكل أمة ثقافتها وفكرها ونظامها الاجتماعي والسياسي التي ترتضيه، حتى يحدث الخلل والانحراف والفساد الذي يقود إلى ردات الفعل والفوضى والقلاقل، حسب ثقافة كل أمة وظروفها وبالتالي تختلف أحوال الأمم والشعوب سلماً وحرباً. وحتى لا أطيل، أسوق مثالاً يشرح ما ذهبت إليه، وهو النظام القضائي الأمريكي..
.. حيث يعتمد إصدار الحكم على المذنب، على مجموعة أفراد من عامة الشعب تسمى هيئة المحلفين، ليقرروا بعد دراسة القضية بالرغم من انعدام الخلفية القانونية لديهم وهنا مكمن الغرابة، ليقرروا ما إذا كان المتهم الشاخص أمامهم في قاعة المحكمة مذنباً أم لا.. وعليه يصدر القاضي حكمه على ذلك المتهم.
الأمريكان وكذلك الإنجليز باعتبار اعتمادهم هذا النظام أيضاً في نظامهم القضائي، لابد أنهم راضون به مقتنعون بجدارته وهذا نتاج ثقافة وخلفية أيديولوجية متراكمة عبر أجيال وقرون، وإن كان في نظر (المنطق) يعتبر تسليم الأمانة إلى غير أهلها.. بالطبع يهدف نظام هيئة المحلفين في أساسه إلى إشراك أفراد الشعب في إحقاق العدالة في النظم الديمقراطية، على ان الديمقراطية مصطلح مطاط ولكل مجتمع يأخذ به كنظام تفصيله الخاص.
إنما المعضلة فيه كما قلت إن من تم اشراكهم في إصدار الأحكام القضائية ليست لديهم الخلفية القانونية والثقافية بل وحتى الأخلاقية لدى بعضهم ليكونوا في موقع إحقاق العدالة، وفي بعض القضايا التي يتم كشف حيثياتها في أمريكا، يتم اكتشاف سوابق وقضايا أخلاقية لدى بعض أعضاء هيئة المحلفين الذين تختارهم المحكمة، وهذا في وسائل الإعلام الأمريكية نفسها، أي أنه (وشهد شاهد من أهلها).
خذ مثلاً صارخاً لغرابة هذا النظام، جيمس هولمز الذي قتل عام 2012 أثني عشر شخصاً كانوا داخل قاعة للسينما في كولورادو نجا من جزائه المستحق، بفضل امرأة عضو في هيئة المحلفين، وقعت تحت تأثير هيئة الدفاع عن المتهم بأنه مريض بالفصام وناشدت هيئة المحلفين الرافة به فقررت أنه غير مذنب برغم أن باقي الأعضاء كانوا على قناعة بجرمه، وهنا غاب الإجماع اللازم لإدانته وسط استغراب زملائها وصدمة ذوي الضحايا.. وبالمناسبة تتكون هيئة المحلفين في هذه القضية من تسع نساء وثلاثة رجال. وبالطبع فحجة محامي القاتل وهيئة الدفاع الحاضرة في كثير من قضايا القتل في أمريكا والغرب بصفة عامة هي المرض النفسي، ليعيش خلف القضبان ومأكله ومشربه ورعايته مكفولة بل ربما لديه الفرصة للخروج من سجنه بعد سنوات عدة، أما الضحايا الذين أزهق أرواحهم فليبكهم ذووهم ماشاؤوا. وهنا المنطق العجيب أصلاً لمنع عقوبة الإعدام في العديد من دول العالم، إذ يكفي إزهاق ضحية (وهو المقتول) فلا داعي ولا إنسانياً أن يزهق المجرم كضحية أخرى!!، فأي منطق عدالة هذا وأي مدنية تقلب ميزان العدل وتحيل المجرم إلى ضحية؟!.
على أنه معروف أن معدل الجريمة انخفض في ولايات أمريكية أعادت عقوبة الإعدام في محاكمها، فهذا ناموس العدل الذي أقره خالق الكون جل جلاله {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وللموضوعية، العدالة وتطبيقها هناك وفي أوروبا عموما هي من أسباب القوة الاقتصادية والسياسية لأن النظام القضائي أساس من أسس قوة الأمم كما نعلم، من حيث إن القانون هناك يطال الجميع دون تفريق، لكن المعضلة الكبرى أن هذه العدالة داخلية، مع ما يشوبها كما قلنا آنفاً، إنما خارج الحدود، يصير معيار العدالة هو المصالح.
فليتنا نتذكر دوماً عظمة وسمو التشريع الإسلامي لأنه لم يأت من بشر يعتريهم الضعف والعاطفة الخادعة، بل من العزيز القدير. وإن أخل قاض بحكم فخلل الحكم منه لا من الشرع، ولا أدل على ذلك من حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (قاض في الجنة وقاضيان في النار)، فانظر إلى النسبة وانظر إلى تقرير أنه يحدث إخلال في تطبيق الشرع لأن القضاة مثل غيرهم من البشر. لنعتز بالتشريع الإسلامي ولا نلتفت إلى من يحاول التطاول عليه من غرب أو شرق أو جهلة من بني جلدتنا، حفظ الله بلد الحرمين وأصلح أحوال المسلمين، والله يرعاكم.