علي الصراف
يخوض الديمقراطيون والجمهوريون معركة شرسة بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وعلى رغم معرفة الطرفين أن الكونغرس سوف يصوت ضد الاتفاق، وأن الرئيس باراك أوباما سوف يستخدم «الفيتو» ضد قرار الكونغرس..
..فإن المعركة لم تعد تتعلق بإقناع أي أحد بجدوى الاتفاق، ولا بمخاطره، وإنما بما إذا كان يمكن الحفاظ على عدد كاف من الديمقراطيين في صف الرئيس لكي لا يعود الكونغرس فيقلب الطاولة على «فيتو» الرئيس.. كلا الطرفين لديه أسبابه التي تبدو مقنعة.
الديمقراطيون يرددون ما يقوله أوباما: عدم توقيع اتفاق للحد من قدرات إيران النووية، سوف يعني خوض الحرب ضد إيران لمنعها من تطوير هذه القدرات. وبذلك فإن الاتفاق، هو في الواقع خيار بين الحرب والسلام. الجمهوريون يقولون إن الاتفاق يحفظ لإيران القدرة على تطوير تلك القدرات، ولو تحت الرقابة، كما إنه يزيل عنها الضوابط بعد 15 عاماً، مما يعني أنه يمنحها «قدرة مؤجلة» على إنتاج قنبلة نووية، كانت سوف تحتاج، في الأصل، إلى 15 عاما للوصول إليها. وفوق ذلك، فإنه يرفع عن كاهل إيران عقوبات صارمة، ويضعضع الإرادة (والآليات) الدولية لمحاصرتها.
الغبي، كما يقول الديمقراطيون، هو عدم ملاحظة نظام الرقابة الصارم الذي يفرضه الاتفاق، مما يعني تعطيل الإمكانيات لإنتاج قنبلة إلى أمد بعيد.
الغبي، كما يقول الجمهوريون، هو عدم ملاحظة استمرار قدرة إيران على تطوير أجهزة التخصيب، مما يعني أن القنبلة ستكون جاهزة، ولو بعد حين.
لا يستطيع المرء أن يستخف بقدرة المشرعين الأمريكيين على النظر في أبعاد أي قضية، من زوايا مختلفة. ولديهم، فوق كل شيء، قدرات استخبارية فائقة أيضاً، تمكنهم النظر في أي اتجاه.
ولكن، هناك شيء تعرفه المنطقة عن إيران، ولا تراه تقارير المخابرات: النفاق.
وفي حين أن كل سياسة إيران الخارجية والداخلية قائمة على النفاق، فإنه لا يمكن لأي جهاز مخابرات يبحث عن حقائق مادية أن يراه، ولا أن يقيس مداه.
المشكلة في النفاق أنه مرئي وغير مرئي؛ مثير للجدل ويفتح أبواباً بلا نهاية للافتراضات. وبينما يمكن للنوايا الحسنة أن تذهب في أي اتجاه، فإن المنافقين، هم وحدهم الذين يعرفون ماذا يريدون بالضبط. إيران تملك مشروعاً طائفياً. هذا المشروع هو بمثابة قنبلة نووية لتفجير دول المنطقة من الداخل.
هذا المشروع لا يستطيع كل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يراقبوه، ولا أن يحدوا من عواقبه. كما لا يستطيع كل خبراء الولايات المتحدة النوويين أن يعرفوا أين توجد «أجهزة التخصيب» (المليشياوية) التابعة له، أو كيف تعمل، ولا كيف تغذي الإرهاب بمفعولها العكسي.
وبينما لا تريد الولايات المتحدة أن تجد نفسها مضطرة للحرب (وهذا من حقها)، فإن المنطقة تعرف أنها تدفع ثمناً باهظاً كل يوم للتفجيرات (الميكرو-نووية) التي تشنها إيران في كل شارع أو حي توجد لها فيه مليشيات وأتباع.
إيران تقول لنفسها بوضوح: مَنْ يملك قنبلة بهذا الحجم، فما حاجته إلى قنبلة نووية أخرى تثير كل ذلك القدر من الحصار والمضايقات؟.
وهي بينما تغري الولايات المتحدة بالتفاوض على قضايا أخرى (كما تأمل إدارة أوباما)، فإن إيران لا تني تفجر قنابلها هنا وهناك وهنالك، دون انتظار.
الغبي في الاتفاق النووي لا يكمن في ما يراه الديمقراطيون ولا الجمهوريون، وإنما في حقيقة أنه يعالج قضية قنبلة، بينما تعمل إيران على قنبلة أخرى!.. وهذا ما تصدح به كل تحفظات المنطقة التي ترى هنا ما لا يراه المتجادلون هناك.