هاني سالم مسهور
مع توالي صور اللاجئين على أوروبا، ومشاهد الغرقى في طريق العبور إلى حياة بعيدة عن البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام السوري على الشعب، خرجت تلكم الأصوات التي اعتادت أن تمارس الضجيج حول المملكة العربية السعودية وتجاهلها لأزمة اللاجئين السوريين واليمنيين في موسم (الخريف) العربي الذي صنع المآسي في عواصم عربية متعددة. ذلك الضجيج الذي يراد به توجيه الاتهامات للسعودية استوقفني عند تجربتي الشخصية التي يعيشها ملايين من أقراني.
قبل خمسين عاماً مر بالعالم العربي حالة تتقارب بشكل أو بآخر مع ما يمر به الآن؛ فلقد كانت الدول العربية تحاول الخلاص من الاستعمار الأجنبي، وإعلان تحررها، وإقامة الدول المستقلة. في بلادنا كنا نخضع إلى حكم ثلاث وعشرين سلطنة ومشيخة في الجنوب العربي. ومع استقلال اليمن الجنوبي في 30 نوفمبر 1967م تساقطت سلطنتا الحكم في حضرموت وتوالياً القعيطية والكثيرية؛ فنزح إلى المملكة العربية السعودية عشرات الآلاف من أبناء حضرموت خاصة، ونزلوا في الحجاز أولاً، ثم انطلقوا إلى نجد وكل البلاد السعودية.
والدي ـ يحفظه الله ـ كان من السابقين لتلك الهجرة من حضرموت. حظي كما حظي الحضارمة جميعاً بمكرمة الملك فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله -؛ فحصل أبناء حضرموت والجنوب العربي عموماً باستثناءات في مدة الإقامة التي كانت أربع سنوات، والكفيل أو ما يطلق عليه بـ (المعرف). كان ذلك الامتياز يتجاوز كل ما تجود به دول أوروبا جميعها بديمقراطيتها. عاش آباؤنا في كنف آل سعود، وحظينا نحن بكل ما يحظى به الشعب السعودي من تعليم وصحة.
حصلنا في المدارس السعودية على الوجبة الغذائية ذاتها التي كان يحصل عليها زميلنا السعودي، وحصلنا على الملابس الرياضية ذاتها، والكتب المدرسية ذاتها.. تعلمنا كما تعلموا، وعشنا مع الشعب السعودي كل مراحل النهضة العمرانية والتعليمية والصحية، وشاركنا في كل بناء، وكنا جزءاً من نسيج بلاد فتحت أذرعها لآبائنا يوم أُغلقت في وجوههم الأبواب، وكنا أوفياء حتى عندما طلبت وزارة الداخلية السعودية مساواتنا مع غيرنا من المقيمين في هذه البلاد المباركة بعد الوحدة اليمنية في 1990م. صححنا من أوضاعنا، ودخلنا إلى أسواق العمل، وتزوجنا وأنجبنا.. وها هو الجيل الحضرمي الرابع يجد في بلاد آل سعود كل ما حظي به آباؤهم وأجدادهم.
الناعقون الكارهون نقول لهم بملء الفم ونحن نعيش واقعاً قد لا يشعر به الشعب السعودي نفسه: يكفي أن السعودية استضافت الملايين من أبناء سوريا واليمن، وعملت على منحهم إقامات، وفتحت لهم كامل مجالات العمل المتاحة لجميع المقيمين النظاميين. تصحيح أوضاع نصف مليون يمني في ثلاثة أشهر هو رقم مهول، يتجاوز أعداد اللاجئين إلى القارة الأوروبية كلها في عام واحد. الفارق أن السعودية تعامل اليمنيين والسوريين وكل الملهوفين معاملة تستمدها من قيمها الدينية وأصالة عروبتها ومنهجها الذي أسسه المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز آل سعود، ومن بعده أبناؤه الملوك حتى عهد الملك سلمان - يحفظه الله - الذي رعى عملية إعادة الأمل لليمن، وقدّم للشعب اليمني خاصة استثناءات لا تفي في مقابلها كل كلمات الشكر للملك وشعبه الكريم. وما بقي سوى الدعاء أن يديم على البلاد السعودية عزها ورخاءها، ويحفظها من كيد الكائدين وعين الحاسدين، ويرزقها بمقدار ما قدمت وتقدم للملهوفين.