هاني سالم مسهور
سقوط شهداء الإمارات الخمسة والأربعين، والسعودية العشرة، والبحرين الخمسة على أرض مأرب هو نقطة تحوُّل كبيرة ومنعطف حاد في العمليات العسكرية الجارية في اليمن، فقوات التحالف العربي وهي تُقدم هذا الثمن الكبير من أرواح رجالها باتت أكثر عزماً على إنهاء التمرُّد الحوثي على الشرعية اليمنية وتحرير العاصمة صنعاء وإفشال المشروع الإيراني نهائياً، هذا التأكيد جاء كنتيجة طبيعية في سياق الحروب العسكرية، مع أن التغيير الذي حصل عند قوات التحالف بعد عملية يوم الجمعة 4 سبتمبر، هو التسريع في توسيع دائرة المسرح العسكري عبر زيادة الضربات الجوية على مراكز القيادة والسيطرة في العاصمة صنعاء.
حادثة مأرب حوَّلتها القيادة السياسية والعسكرية في التحالف العربي للجانب الإيجابي عبر مواصلة تعزيز القوات العسكرية في الجغرافية اليمنية، وكما تحدث المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي العميد أحمد عسيري عن أن القيادة الحربية أعادت بشكل سريع تقييم المسرح العسكري، وقامت بشكل واضح بتوزيع القوة العربية وتأمينها برياً.
قد يكون الحوثيون وحليفهم المخلوع صالح، اعتقدوا أن التحالف العربي سيتراجع بعد الحادثة المؤلمة، وأنه قد يضغط على الرئيس عبد ربه منصور هادي للقبول بالعرض (الهزيل) الذي حمله المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد بقبول الانقلابيين القرار الدولي 2216 باستثناء بند العقوبات، المعاكس هو ما حدث.. الرئيس هادي رفض العرض والتحالف العربي دفع بالمزيد من القوات والمزيد من النيران التي تُؤكد مُضي التحالف بتحقيق أهدافه كاملة.
إيران لم تكن تتوقع أن يكون الخليجيون بهذا التصميم، فالتحالف العربي لم يعتد على خوض معركة بهذا النطاق، والتحالف الذي تقوده السعودية.. لم تعِ إيران تحديداً أنه يُؤسس لمرحلة مفصلية، بعد أن هبّت على العالم العربي هبوب الربيع العربي، لتمنح للمتربصين فرصة للعبث السياسي، مما تأذَّت منه دول مصر وتونس وسوريا واليمن، ولم يكن العام 2011م غير عام مشحون بالتصادمات الثنائية في علاقة كل دولة على حدة، مما أتاح الفرصة المواتية لإيران للتدخل السافر في العالم العربي.
الخليج العربي يقود معركة حقيقية لردع العدوان على العالم العربي، فاستعادة مصر من خاطفيها كان رسالة تغني عن كل الرسائل، والتدخُّل في البحرين جاء في ذات الإطار، والآن ها هم الخليجيون يقدمون دماء أبنائهم في معركة استعادة اليمن كاملاً وإعادة شرعيته السياسية، وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، ما لم تعهِ الأطراف الخاطئة في حساباتها، عليها الآن تحديداً أن تتابعه واقعاً على أرض مأرب.
الثمن، وإن كان باهظاً فهو مهم، وقرار الحرب في اليمن كان حاسماً لأن عدم الموافقة على طلب الرئيس هادي ونجدته بعد محاصرته في صنعاء ثم عدن، يعني تهديداً مباشراً وحقيقياً لأمن المملكة العربية السعودية والمنظومة الخليجية التي تسيطر على مساحة واسعة من اليمن، وتبدأ في حصار صنعاء لتحريرها من خاطفيها.
التحالف العربي ليس غازياً لليمن، وليس محتلاً للجغرافية اليمنية، هذه القوة العربية التي نُفاخر بها هي القوة التي لطالما انتظرها العرب لتكون الرادع لمن يحاول أن يمارس العبث بالأمن القومي العربي، فعندما غابت الشعارات القومية ظهرت شهامة الرجال، وقدموا جنودهم البواسل على تراب اليمن، ليصنعوا بالأفعال لا الأقوال ما يجب أن يكون عليه الأمن العربي.