محمد بن عيسى الكنعان
الصور المأساوية التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الاجتماعي عن معاناة اللاجئين السوريين على أبواب أوروبا وحدودها، وفي عرض بحارها، وداخل أحراشها، هرباً من جحيم نظام المجرم بشار الأسد..
تلك الصور المؤلمة للنفس السوية دفعت بعض الأقلام والإعلاميين الموتورين والمغردين في شبكات التواصل إلى كتابة تقارير إعلامية، ومقالات صحفية، وإطلاق تعليقات تلفزيونية وتغريدات إلكترونية، تحاول النيل من المملكة وتشويه سمعتها، من خلال قضية اللاجئين السوريين، وذلك بالطعن في أعمالها الإنسانية والإغاثية، والتشكيك في مواقفها السياسية، تحت حجة محورية واهية، هي عدم استضافة المملكة للاجئين سوريين، كما يفعل الغرب (الكافر)، حتى أن أحدهم غرد بتصريح يقول إنه للمستشارة الألمانية ميركل، قالت فيه: «غداً سنخبر أطفالنا أن اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى بلادنا، وكانت مكة بلاد المسلمين أقرب إليهم».
وبغض النظر عن صحة هذا التصريح، فإنه في كل الأحوال يفتقر للكياسة السياسية والوعي الدبلوماسي، وهو محاولة بائسة لاستغلال مأساة إنسانية للتغطية على الموقف الأوروبي السياسي السلبي من الأزمة السورية، وهو الموقف الذي تجسد في منع استخدام الحل العسكري لحل هذه الأزمة، بل منع تزويد الثوار بالأسلحة الثقيلة لموازنة كفة القتال مع جيش نظام بشار. هذا الغرب الذي يريد أن يسوق إنسانيته، ويلمع حضارته على حساب جهود المملكة وغيرها من دول الجوار السوري، هو ذاته الذي تبنى من خلال (حلف الناتو) إسقاط نظام معمر القذافي، وامتنع عن إسقاط نظام بشار الأسد، رغم أن القذافي كان يقاتل الثوار وليس الشعب الليبي، والأسد يذبح الشعب السوري أكثر مما يقاتل الثوار.
لذلك، فقضية اللاجئين السوريين - ابتداءً - ينبغي أن تعامَل ضمن القضية الأكبر، وهي بقاء نظام مجرم يمارس قتل الإنسان وتدمير العمران منذ العام 2011م. وعليه، فمن يرفض إسقاط نظام بشار عسكرياً؟ أليس الحكومات الغربية؟ إذاً، هذه القضية الإنسانية هي نتيجة لتراكم الخذلان والاكتفاء بالمواقف السلبية من قِبل المجتمع الدولي، وبالذات الحكومات الغربية؛ كونها من يمسك بتلابيب القرار العالمي، من خلال الهيئات والمنظمات الدولية، فأين هذه الحكومات مما يجري على الأرض السورية من مذابح مروعة مستمرة، وجرائم ضد الإنسانية؟ الموقف الإنساني الحقيقي لا يكون فقط باستقبال اللاجئين بتلك المسرحيات الهزيلة، وتصريحات المواساة، واستغلال المظاهرات العفوية إعلامياً؟ وكأن أوروبا جنة عدن، بل إن معاناة اللاجئين لم تنتهِ ولن تنتهي باستضافتهم على الأراضي الأوروبية في ظل وجود أحزاب يمينية وعنصرية متطرفة، كما حدث في أقصى شرق ألمانيا بمظاهرات ترفض اللاجئين بحجة (أسلمة الغرب).
وحتى لو جعلنا قضية اللاجئين هي المقياس لإنسانية الغرب وموقفه الحضاري مقابل دول الجوار السوري، والمملكة على وجه التحديد، فإن الأرقام تنصف مواقف وجهود المملكة ودول الجوار السوري في حجم اللاجئين المقيمين على أراضيها. فوفقاً لتصريح وزارة الخارجية السعودية، فإن المملكة قد استقبلت خلال الأزمة السورية أكثر من (مليونين ونصف المليون سوري)، ولا يتم التعامل معهم كلاجئين في معسكرات، أو مخيمات، أو مناطق إيواء تقديراً لهم، وحفظاً لكرامتهم، بل هم مقيمون يتمتعون بالرعاية الطبية المجانية، والانخراط في العمل، وتلقي التعليم لأبنائهم في التعليم العام.
أما دول الجوار السوري فوفقاً لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن لبنان يستضيف نحو مليون ومائتي لاجئ، والأردن نحو 630 ألفًا، والعراق نحو 250 ألفًا، ومصر 133 ألفًا، إضافة إلى 24 ألفًا آخرين موزعين على دول شمال إفريقيا. أما تركيا فيوجد على أراضيها مليون و800 ألف. بينما أوروبا مجتمعة استقبلت قرابة 270 ألفاً. وفي إحصائية للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وصل تعداد طالبي اللجوء في أوروبا من قِبل السوريين أكثر من 310 آلاف. ولعلك تلاحظ أن الأردن وحدها - رغم وضعها الاقتصادي - تستضيف ضعف ما لدى أوروبا. وكذلك الحال بالنسبة للبنان. أما المملكة فلا يشكك بجهودها إلا حاقد؛ فقد استقبلت مليونين ونصف المليون، فضلاً عمن يقيم على أراضيها بصورة نظامية، وجميعهم يتمتعون بكل مقومات الحياة الكريمة؛ ما يشكل دعماً مباشراً للشعب السوري، وتخفيفاً عن آلامه. كما أورد السوري أحمد رمضان عضو (حركة العمل الوطنية السورية) بيانات ونسب اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري، فنسبة (16 %) من اللاجئين في المملكة ودول الخليج، و(38 %) في تركيا، و(18 %) في لبنان، و(14 %) في الأردن. أما أوروبا فلا يتجاوز اللاجئين فيها (3 %). ومع ذلك نجح الإعلام الغربي في تصوير قضية اللاجئين السوريين على أنها قضية أوروبية، بينما هي قضية عربية خالصة بدلالة الأرقام والمواقف السياسية.
لهذا أقول: نعم، مكة أقرب للاجئين السوريين من أي بلد أوروبي؛ فجهود المملكة في إغاثة السوريين وغيرهم لم تقف يوماً داخل حدودها، بل تجاوزتها في دعمهم بمخيمات بعض الدول العربية، سواء بحملات التبرعات الرسمية والشعبية الإغاثية المستمرة، أو بالمعونات المقدمة لهم في مخيمات الزعتري بالأردن ولبنان وغيرها، بل إن أعمالها الإغاثية الجليلة لم تتوقف عن أي بلد عربي أو مسلم يتعرض لكارثة أو أزمة، فبالأمس تم إيواء العراقيين في رفحاء، واليوم تتدفق المساعدات الإنسانية السعودية على أهل اليمن. ولست هنا في مقام استعراض ما قدمته المملكة من حجم المساعدات الإنسانية والإغاثية، إنما أردت فقط الإشارة إلى أن هناك من يستغل مثل هذه القضايا لقلب الحقائق، ووضع المقارنة المختلة في التعامل مع قضية اللاجئين، التي أساسها وسببها السكوت الدولي والتواطؤ الغربي مع نظام بشار.