د. أحمد الفراج
بات من الواضح للمتابع أنّ الاتفاق النووي مع إيران في طريقه للعبور الآمن في الكونجرس الأمريكي، كما خفت الصوت المعارض لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو!!، ومن المسلّم به أنّ هذا الاتفاق لا يمكن أن يمر لو كانت إسرائيل لا تريد ذلك، حتى ولو كان تمريره في صالح الإمبراطورية الأمريكية، وعلينا أن نتذكر أنّ إسرائيل ضربت المفاعل النووي العراقي في ليلة ظلماء، وضربت مفاعلات سوريا بعد ذلك، أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، ونحن والحالة هذه، لا ينبغي أن ننظر إلى الأمر بسوداوية، فالرئيس أوباما أكد مراراً وتكراراً بأنّ هذا الاتفاق سيكون في صالح المنطقة والعالم، وأكد على حرصه على أمن الخليج، وعدم تأثير هذا الاتفاق على ذلك، ومن المؤكد أنّ الوضع الاقتصادي الإيراني المتردي كان له الدور الأكبر في تنازلات إيران، وهي التي كانت تتحدى الشيطان الأكبر على مدى عقود، وإن كان تحدياً من أشكال الظواهر الصوتية التي لا يلتفت إليها.
ما يطمئن حيال هذا الاتفاق هو أنه سيجعل إيران تحت نظر القوة العظمى، ولن تتمكن من الحصول على سلاح نووي إلا بعد خمسة عشر عاماً، هذا إذا كان الحصول على سلاح نووي ممكناً لأي دولة من الممكن أن تهدد أمن إسرائيل، وهذا أمر جيد لدول الخليج، ولكن ما قد يخفى على صانع القرار الأمريكي هو أنّ من يحكم إيران هو الولي الفقيه، وهذا يعني أنّ النظام الإيراني الحالي مؤدلج حتى النخاع، ومن الصعب تخيل أنّ نظاماً سياسياً كهذا سيرضخ للنظام العالمي، أو يتخلى عن طموحاته التي يغلفها بغلاف ديني، أي تصدير الثورة الإسلامية، ونصرة المستضعفين حول العالم، وهي الشعارات التي يحرك بها نظام الملالي أنصاره في أنحاء المنطقة، مثل حزب الله اللبناني، وحزب الدعوة العراقي، وهم الذين يقاتلون نيابة عنه، ولا يعلمون أنهم مجرد تروس صغيرة في مشروع طائفي عنصري سيكونون هم أول ضحاياه، تماماً كما حصل لأسلافهم عند تأسيس الدولة العباسية، والتي كان شعارها: «الرضا من آل محمد».
لا نعلم حتى الآن عما إن كانت إيران ستلتزم ببنود الاتفاق، وعما إن كانت ستتوقف عن تصدير الثورة، وتهديد أمن المنطقة، والتدخل بشؤون جيرانها، كما لا نعلم عن الموقف المتوقع من الولايات المتحدة في حال تنصلت إيران، وتلاعبت، وواصلت برنامجها النووي، ولكننا نعلم أنّ عراب هذا الاتفاق هو الرئيس اوباما، ولم يتبق له في الحكم سوى سنة ونصف السنة، ومع أنّ السياسات الأمريكية ثابتة ولا ترسم اعتباطاً، إلا أنّ شخصية الرئيس الأمريكي القادم سيكون لها دور في دعم هذه الاتفاق، أو نقضه، حسب المعطيات السياسية المستقبلية، وما تمليه المصالح الأمريكية، وحسب شخصية الرئيس ذاته، وموقفه من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وهناك أمر مؤكد يطمئن دول الخليج، وهو أنّ الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح لدولة واحدة بأن تهيمن على هذه المنطقة الهامة من العالم، وبالتالي فإنّ الحديث عن إطلاق أمريكا ليد إيران في المنطقة، وتخليها عن حلفائها التقليديين في الخليج يعتبر خارج السياق، وربما أنّ المستقبل سيحمل مفاجآت ليست في الحسبان حيال هذا الاتفاق، فلنتابع بهدوء.