د. أحمد الفراج
كان عنوان مقال توماس فريدمان الأخير في النيويورك تايمز، بتاريخ (2 سبتمبر 2015)، مستفزاً وتصعيدياً: «حليفنا المتشدد الإسلامي: المملكة العربية السعودية»!!، وقد تحامل كثيراً على المملكة، وجامل إيران، أما توقيت المقال، قبل اللقاء المرتقب بين الملك سلمان وأوباما فهو مريب، وملخص المقال هو أن إيران قد تمثل خطرا، ولكن المملكة تمثل خطرا أكبر!!، إذ يتهم فريدمان المملكة باستخدام المال، أو البترودولار، كما يسميه، لنشر الوهابية حول العالم، ما يعني صلة المملكة بالتنظيمات المتشددة!!، مثل القاعدة وجبهة النصرة، وغيرها، كما هاجم فريدمان الجنرالات والساسة الأمريكيين، الذين وقفوا ضد الاتفاق النووي مع إيران!!، وصب جام غضبه على الجنرال المتقاعد توماس مكنيليري، نائب قائد القوات الجوية الأمريكية في اوروبا، والذي كتب إن إيران تمثل خطرا كبيرا على الأمن العالمي بصفتها الممون الأكبر للحركات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، وأكد الجنرال على خطورة عقد اتفاق يتيح لدولة عدوانية مثل إيران الحصول على سلاح نووي!!.
حديث الجنرال، المنطقي، لم يرق لفريدمان، ولذا هاجمه الأخير، وذكره بأحداث سبتمبر، ومن يقف وراءها!!، ثم أسهب في الحديث عن نشر المملكة للوهابية، وهو الذي يعني، حسب ما كتب، القضاء على التعددية، وفرض الرؤية الآحادية المتطرفة، كما تحدث فريدمان عن آلاف السعوديين الذين يلتحقون بالتنظيمات المتشددة، ثم يجزم فريدمان، بلغة واضحة وصريحة، وبلا لبس، بأن إيران ليست وحدها التي تمثل خطرا على المنطقة، بل هناك المملكة، فهو يؤكد بأن إيران أقل خطرا، إذ أن هدفها هو رحيل أمريكا من المنطقة وحسب!!، بينما المملكة تنشر التطرف حول العالم!!، ويتجاهل فريدمان، عمدا، أن إيران، وليست المملكة، هي الأبرز، عندما يتعلق الأمر بنشر مذهبها المتطرف حول العالم، كما يتجاهل فريدمان تماما دور إيران في نشر الطائفية، ودعمها لكل التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم القاعدة السني!!، ولا يتحدث أبدا عن دور إيران في تدمير العراق وسوريا، وتشريد شعبيهما، وهذه لغـة تصعيدية غير مسبوقة، منذ أحداث سبتمبر 2001 ، وأخيراً، يعلن فريدمان تأييده المطلق للاتفاق النووي مع إيران، بل ويسخر من معارضيه.
حسنا، مقال فريدمان هذا، ودعمه للإتفاق النووي، يفرغ معارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإتفاق من محتواه، إذ أن فريدمان اسرائيلي، بل وصهيوني، أكثر من نتنياهو نفسه، ومن المسلم به أن كل كتابات فريدمان تتمحور حول أمن اسرائيل، فهل يا ترى كان موقف نتنياهو المعارض للإتفاق مجرد مناورات للضغط على إيران، ولتخدير دول الخليج ؟!!، وربما أن التفصيل في هذا الأمر يحتاج إلى مقال مستقل، وفي الأخير نتساءل عما ان كانت الإرهاصات المسيئة للمملكة، والتي تتكرر من توماس فريدمان، وفريد زكريا، وغيرهم من الإعلاميين الأمريكيين الكبار عفوية، أو أنها مؤشر خطر على تحول نوعي في علاقات أمريكا بدول الشرق الأوسط، وتحديدا اللاعبين الكبار، المملكة وإيران، ولعل الإتفاق النووي مع إيران، وقرب تمريره من قبل الكونجرس يجيب على ذلك، والأسئلة التي تطرح نفسها: «ماذا فعلنا خلال الفترة الماضية لنواجه لوبي إيران القوي في واشنطن؟!، وأين كان مسؤولوا العلاقات الدولية وسفارتنا الموقرة في الولايات المتحدة؟!، وهل لدينا لوبي مصالح فعال في أمريكا، ثم هل لدينا خطة إعلامية لمواجهة المد الأعلامي المتعاطف مع إيران في العالم الغربي، وخصوصا في أمريكا»، وربما أن الإجابة على هذه الأسئلة تعطينا ملامح للمستقبل المنظور لمنطقة الشرق الأوسط، والتي كانت محور الأحداث العالمية منذ خمسة عقود، خصوصا منذ أحداث سبتمبر المشؤومة!.