د. أحمد الفراج
كتبت فيما مضى عن لوبيات المصالح في الولايات المتحدة، والتي لها دور كبير في التأثير على انتخابات الساسة، وبالتالي التأثير على قراراتهم، ورسم السياسات الأمريكية، داخليا وخارجيا، وكذلك التأثير على أصحاب الرأي والفكر، خصوصا الإعلاميين، ذوي السمعة العالمية، ممن يكون لأطروحاتهم أصداء كبيرة، ويأتي على رأس هذه اللوبيات منظمة ايباك، والتي لا يمكن أن ينجح أي سياسي أمريكي في مواصلة طريقه دون مباركتها، كما أن لها دورا كبيرا في رسم السياسات التي تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وهي السياسة التي تتمحور حول أمن إسرائيل، وقد تشكلت لوبيات أخرى على غرار ايباك، فهناك لوبي لاتيني، ولوبي صيني، ولوبي هندي، وهو الذي تنمر مؤخرا، مع صعود الهند كقوة عالمية، وبالتأكيد هناك لوبي إيراني، تشير كل الدلائل إلى أنه يعمل بلا كلل، خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي ساهم بالتقارب الأمريكي- الإيراني، وما تبعه من مفاوضات حول برنامج إيران النووي، وسيختتم بموافقة الكونجرس على هذا الاتفاق، والذي قد لا يكون بحجم الآمال الإيرانية، ولكنه سيغير صورة التحالفات الدولية في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بكل تأكيد.
والسؤال الذي كنا وما زلنا نردده هو عن دور المؤسسات الرسمية السعودية في الدول المؤثرة، وخصوصا الولايات المتحدة، وأعتذر عن قسوة الأسئلة، ولكن الوقت قد حان لطرحها، فكما يقول السياسي الأمريكي مايكل دوكاكيس، أن والده الطبيب كان يقول له دوما :» لا تسأل المريض عما يشعر به من أعراض، ولكن قل له أرني الألم !!»، ونحن الآن في مرحلة حرجة، تواجه فيها المملكة حربا شعواء، من قبل ساسة وكتاب ومثقفين غربيين، وهو الأمر الذي يستوجب الصراحة، والمكاشفة والشفافية، فهل هناك لوبي مصالح سعودي في واشنطن، وعواصم الغرب المهمة، وهل لدينا مؤهلون، في ممثلياتنا الخارجية، لتولي مهام الملفات التي تحتاج إلى توضيح وتفصيل ، وهل يتم اختيار صاحب الكفاءة لمثل هذه المهام، أم أن المسألة لا تعدو إلا أن تكون تبادل منافع، فنحن نعلم أن معظم الوفود التي يتم اختيارها من المسؤولين والمثقفين تكون دوما من نصيب أسماء محددة، لدرجة أننا أصبحنا نعرف من هم هؤلاء، بل وصل الأمر درجة أن بعض المسؤولين في ممثلياتنا في الخارج يختار أصحابه لكل مهمة، ممن يتوافقون معه في التوجه الفكري، وكأنه صاحب مؤسسة خاصة، ولا يمثل بلدا بأكمله!.
إن تمثيل الوطن في البلدان المهمة ليست وظيفة عادية، بل مهمة جسيمة تتطلب مؤهلات غير عادية، وعمق فكري، وفهم شامل لثقافة البلد المضيف، وعلاقات من نوع خاص مع أهم الفاعلين فيه، على المستويات السياسية والثقافية و الإعلامية، والمقدرة الفذة على اختراق الحواجز التي يستطيع من خلالها التمثيل الدبلوماسي بكل اقتدار، فلا يمكن أن تدافع عن بلدك عن طريق مكاتب العلاقات العامة، أو الكتاب المستأجرين، وقد جربنا شيئا من ذلك بعد أحداث سبتمبر 2001، فماذا كانت النتيجة؟!!، وأظن الوقت قد حان لإعطاء الأولوية القصوى للمؤهل، والمؤهل فقط، لتمثيل المملكة، ذات الثقل العالمي، وكذلك للعمل على تأسيس لوبي مصالح فاعل، على أسس مهنية بحتة، أسوة بالبلدان الأخرى، فالعلاقات الدولية تسير وفق المصالح، لا المجاملات، وهكذا يفترض أن يكون العمل الدبلوماسي، فهل نتحرك في هذا الوقت العصيب؟!.